بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ
شُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزُّبْدِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَوَاءً قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَيَفْسُقُ شَارِبُهُ وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ، وَعَصِيرُ الرُّطْبِ النَّيْءِ، كَعَصِيرِ الْعِنَبِ النَّيْءِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَاسْتَغْرَبَهُ، وَاخْتَارَ كَوْنَهُ كَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، أَمَّا سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ، فَهِيَ فِي التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ عِنْدَنَا كَعَصِيرِ الْعِنَبِ، لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا؛ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ خِلَافًا فِي أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ هَلْ يَتَنَاوَلُهَا؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْمَنْعِ، وَكُلُّ شَرَابٍ حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِهِ، فَهُوَ نَجِسٌ، وَبَيْعُهُ بَاطِلٌ، وَمَا لَا يُسْكِرُ مِنَ الْأَنْبِذَةِ لَا يَحْرُمُ، لَكِنْ يُكْرَهُ شُرْبُ الْمُنَّصَفِ وَالْخَلِيطَيْنِ لِلْحَدِيثِ النَّاهِي عَنْهُمَا، وَالْمُنَّصَفُ: مَا عُمِلَ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ، وَشَرَابُ الْخَلِيطَيْنِ مَا عُمِلَ مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ، وَقِيلَ: مَا عُمِلَ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ، وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ، فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا، وَهَذَا كَالنَّهْيِ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَنْبِذُونَ فِيهَا، كَالدُّبَّاءِ وَهُوَ الْقَرْعُ، وَالْحَنْتَمُ وَهُوَ جِرَارٌ خَضْرٌ، وَالنَّقِيرُ وَهُوَ جِذْعٌ يُنْقَرُ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ إِنَاءٌ، وَالْمُزَفَّتُ وَهُوَ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقَارُ، وَيُقَالُ لَهُ: الْمُقَيَّرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْعِيَةَ يَشْتَدُّ فِيهَا وَلَا يُعْلَمُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَسْقِيَةِ مِنَ الْأُدْمِ.
قُلْتُ: وَالنَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ مَنْسُوخٌ، ثَبَتَ نَسْخُهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْبَابِ طَرَفَانِ: الْأَوَّلُ: فِي الشَّرَابِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ، فَكُلُّ مُلْتَزِمٍ لِتَحْرِيمِ الْمَشْرُوبِ شَرِبَ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ، لَزِمَهُ الْحَدُّ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ قُيُودٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute