فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا، فَهَلْ هِيَ دِيَةُ عَمْدٍ، أَمْ شِبْهُ عَمْدٍ أَمْ خَطَأٍ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.
وَلَوْ رَمَى إِلَى مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ وَمَاتَ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الدِّيَةِ، وَفِي كَيْفِيَّتِهَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ، وَهَذَا أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ دِيَةُ خَطَأٍ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ.
وَرَجَّحَ ابْنُ كَجٍّ كَوْنَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ رَمَى إِلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ شَجَرَةً أَوْ صَيْدًا، فَكَانَ إِنْسَانًا، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، كَمَا لَوْ رَمَى إِلَى صَيْدٍ، فَعَرَضَ فِي الطَّرِيقِ رَجُلٌ، أَوْ مَرَقَ مِنْهُ السَّهْمُ، فَأَصَابَ رَجُلًا، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي كُلِّ قَتْلٍ عَمْدٍ مَحْضٍ صَدَرَ عَنْ ظَنٍّ فِي حَالِ الْقَتِيلِ.
فَصْلٌ
الدِّيَةُ تَتَغَلَّظُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَتَجِبُ عَلَى الْجَانِي، وَلَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَتَجِبُ حَالَّةً، وَمُثَلَّثَةً، ثُلُثُهُنَّ حِقَّةٌ، وَثُلُثُهُنَّ جَذَعَةٌ، وَأَرْبَعُونَ خِلْفَةً، وَالْخِلْفَةُ: الْحَامِلُ، وَيُسَمَّى هَذَا الثَّالِثُ تَغْلِيظًا بِالسِّنِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَمْدُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَعُفِيَ عَلَى الدِّيَةِ، أَوْ لَمْ يُوجِبْهُ، كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَتَتَخَفَّفُ دِيَةُ الْخَطَأِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُخَمَّسَةً مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وِدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ تَتَخَفَّفُ مِنْ وَجْهَيْنِ.
فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً، وَتَتَغَلَّظُ مِنْ وَجْهٍ، فَتَجِبُ مُثَلَّثَةً، وَحُكِيَ وَجْهٌ وَقَوْلٌ مُخْرَجٌ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَتْلَ الْخَطَأِ فِي الْحَرَمِ، أَوِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَوِ الْمُصَادِفِ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، دِيَتُهُ كَدِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً مُثَلَّثَةً.
وَالدِّيَةُ الْمُخَمَّسَةُ إِنَّمَا تَتَفَاوَتُ أَقْسَامُهَا بِالسِّنِّ إِلَّا فِي بَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنِي اللَّبُونِ، فَإِنَّ تَفَاوُتَهُمَا فِي الذُّكُورَةِ، ثُمَّ التَّخْمِيسُ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الدِّيَةِ بِأَقْسَامٍ مُتَعَادِلَةٍ، وَالتَّثْلِيثُ فِي الدِّيَةِ الْمُثَلَّثَةِ غَيْرُ حَاصِلٍ عَلَى التَّعْدِيلِ، بَلْ نِسْبَتُهَا الْمُخَفَّفَةُ بِالْأَعْشَارِ، ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حِقَاقٍ، وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ جَذَاعٍ، وَأَرْبَعَةُ أَعْشَارِ خَلِفَاتٍ، ثُمَّ هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute