للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَصْحَابِ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِرِفْقٍ، كَأَخْذِ الدُّيُونِ، فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ عَلَى مَنِ اخْتَرَعَهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ أَخْذِهِمِ الْجِزْيَةَ، وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِزْيَةِ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: تَفْسِيرُ الصَّغَارِ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَجَرَيَانِهَا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيَضْطَرَّ إِلَى احْتِمَالِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ طَلَبَ الْجِزْيَةَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُمْ: تَنُوخُ وَبَهْرَاءُ وَبَنُو تَغَلِبَ، وَهُمْ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ تَنَصَّرُوا لَا يُعْلَمُ مَتَى تَنَصَّرُوا، وَهُمْ مُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، فَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ، فَخُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَعْنُونَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: زِدْ مَا شِئْتَ بِهَذَا الِاسْمِ لَا بَاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَرَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَمْ يُخَالِفْ عُمَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ، وَعَقْدُ الذِّمَّةُ لَهُمْ مُؤَبَّدًا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، قَالُوا: وَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُقِلُّ مَالُهُ الزَّكَوِيُّ، فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، وَرُبَّمَا قَلَّتْ أَمْوَالُهُمُ الزَّكَوِيَّةُ، فَيَنْقُصُ الْمَأْخُوذُ عَنْ دِينَارٍ لِكُلِّ رَأْسٍ، الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ وَفَّى الْمَأْخُوذَ بِدِينَارٍ لِكُلِّ رَأْسٍ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَمْلِكُ مَالًا زَكَوِيًّا فَيَكُونُ قَدْ قَرَّرَ بِلَا جِزْيَةٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَذَلَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، كَمَا لَوْ قَالَ وَاحِدٌ: خُذُوا مِنِّي عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى تِسْعَةٍ مَعِي، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ فِعْلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ لَا يَنْقُصُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>