بَابٌ
الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ.
هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ، سَقَطَ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَرِهَ الْبَاقُونَ، وَلَوْ عَفَا عَنْ عُضْوٍ مِنَ الْجَانِي، سَقَطَ الْقِصَاصُ كُلُّهُ، وَلَوْ أَقَّتَ الْعَفْوَ، تَأَبَّدَ، وَيَشْتَمِلُ الْبَابُ عَلَى طَرَفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي حُكْمِ الْعَفْوِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ مَاذَا؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ الْقَوَدُ الْمَحْضُ، وَإِنَّمَا الدِّيَةُ بَدَلٌ مِنْهُ عِنْدَ سُقُوطِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَى الْجَانِي، وَلَوْ مَاتَ أَوْ سَقَطَ الطَّرَفُ الْمُسْتَحَقُّ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ، وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إِلَى الْمَالِ إِلَّا بِرِضَى الْجَانِي، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْجَانِي، سَقَطَتِ الدِّيَةُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
فَإِذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَعَفَا عَنِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا، فَلَا مُطَالَبَةَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَمَّا وَجَبَ لِي بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ، أَوْ عَنْ حَقِّي الثَّابِتِ عَلَيْكَ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَلَا مُطَالَبَةَ أَيْضًا بِشَيْءٍ، نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنِ النَّصِّ.
وَلَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَلَى أَنْ لَا مَالَ لِي، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَعَفْوِهِ عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْهُ، وَإِنَّمَا شَرَطَ انْتِفَاءَهُ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، تَعَيَّنَتِ الدِّيَةُ، وَلَوْ عَفَا عَنِ الدِّيَةِ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ، فَلَوْ مَاتَ الْجَانِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَهُ الدِّيَةُ لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ هَذَا عَنِ الْقِصَاصِ وَيَرْجِعَ إِلَى الدِّيَةِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
أَصَحَّهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ النَّصِّ: لَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا، لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَالثَّانِي: نَعَمْ، وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ