لَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ، فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ عَنِ الْقِصَاصِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا، كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ فِي الزِّنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِي الْقَذْفِ بِإِذْنِ الْمَقْذُوفِ، لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَكَمَا لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، لَا يُعْتَدُّ بِهِ.
وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِحُصُولِ الزُّهُوقِ، وَإِزَالَةِ الطَّرَفِ، بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ، وَيُوهِمُ الْإِيلَامَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ، وَفِي الْبَيْعِ الْمَقْصُودُ إِزَالَةُ يَدِ الْبَائِعِ، وَلَمْ تَزُلْ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ السَّارِقُ يَدَ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اعْتُدَّ بِهِ عَنِ الْحَدِّ، وَهَلْ يُمْكِنُهُ إِذَا قَالَ: أَقْطَعُ بِنَفْسِي؟ وَجْهَانِ.
أَقْرَبُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْكِيلُ، وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي وَقْتِ الِاقْتِصَاصِ.
لِمُسْتَحَقِّ الْقِصَاصِ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا أَمْكَنَ، فَلَوِ الْتَجَأَ الْجَانِي إِلَى الْحَرَمِ، جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ، سَوَاءٌ فِيهِ قِصَاصُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، وَلَوِ الْتَجَأَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قَالَ الْإِمَامُ: أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، أُخْرِجَ مِنْهُ وَقُتِلَ، لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ يَسِيرٌ، وَفِيهِ صِيَانَةٌ لِلْمَسْجِدِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ تُبْسَطُ الْأَنْطَاعُ، وَيُقْتَلُ فِي الْمَسْجِدِ تَعْجِيلًا لِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ وَإِقَامَةِ الْهَيْبَةِ.
قُلْتُ: وَلَوِ الْتَجَأَ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَوْ إِلَى مِلْكِ إِنْسَانٍ، أُخْرِجَ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقِصَاصَ يُسْتَوْفَى بِمِثْلِهِ، فَإِذَا قُطِعَ طَرَفُ الْجَانِي، فَلَهُ أَنْ يَحُزَّ رَقَبَتَهُ فِي الْحَالِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ، فَإِنْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَذَاكَ، وَإِلَّا حَزَّ رَقَبَتَهُ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إِزْهَاقَ رُوحِهِ، فَإِنْ شَاءَ عَجَّلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute