فَرْعٌ: تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ صَرِيحٌ فِي الْكَفَّارَةِ، أَمْ كِنَايَةٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ مَعْنَى اللَّفْظَةِ حَتَّى يُقَالَ: صَرِيحٌ فِيهِ، أَمْ كِنَايَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ التَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ فَتَوَسَّعُوا بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ.
فَصْلٌ
الْكِنَايَةُ لَا تَعْمَلُ بِنَفْسِهَا، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَتَقْتَرِنُ النِّيَّةُ بِاللَّفْظِ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ، ثُمَّ تَلَفَّظَ بِلَا نِيَّةٍ، أَوْ فَرَغَ مِنَ اللَّفْظِ ثُمَّ نَوَى، لَمْ تُطَلَّقْ، فَلَوِ اقْتَرَنَتْ بِأَوَّلِ اللَّفْظِ دُونَ آخِرِهِ، أَوْ عَكْسُهُ، طُلِّقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا تَلْتَحِقُ الْكِنَايَةُ بِالصَّرِيحِ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ، وَلَا بِقَرِينَةِ الْغَضَبِ وَاللِّجَاجِ، وَمَتَى تَلَفَّظَ بِكِنَايَةٍ، وَقَالَ: مَا نَوَيْتُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَتْ، وَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَرُبَّمَا اعْتَمَدَتْ قَرَائِنُ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِمِثْلِهَا.
فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ
فِي «الزِّيَادَاتِ» لِأَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكِ طَلَاقَكِ، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُ وَلَمْ يَذْكُرَا عِوَضًا، لَا يَحْصُلُ فُرْقَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ، وَقِيلَ: تَقَعُ طَلْقَةٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ شَيْءٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ صَالِحٌ وَمَعَهُ نِيَّةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بَرِئْتُ مِنْ نِكَاحِكِ وَنَوَى، طُلِّقَتْ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بَرِئْتُ مِنْ طَلَاقِكِ وَنَوَى، لَمْ تُطَلَّقْ، وَلَوْ قَالَ: بَرِئْتُ إِلَيْكِ مِنْ طَلَاقِكِ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute