الْبُوشَنْجِيُّ: هُوَ كِنَايَةٌ، أَيْ: تَبَرَّأْتُ مِنْكِ بِوَسَاطَةِ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْكِ. وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكِ، أَوْ عَفَوْتُ عَنْكِ، فَكِنَايَةٌ، لِإِشْعَارِهِ بِالْإِسْقَاطِ، وَلَهُ عَلَيْهَا حُقُوقُ النِّكَاحِ، وَتَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَّقَكِ اللَّهُ، أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقَكِ اللَّهُ، طُلِّقْتِ وَعَتَقْتِ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِاحْتِمَالِهِ الْإِنْشَاءَ وَالدُّعَاءَ. وَقَوْلُ مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ لِلْغَرِيمِ: أَبْرَأَكَ اللَّهُ، كَقَوْلِ الزَّوْجِ: طَلَّقَكِ اللَّهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِ وَتَرَكَ الْقَافَ، طُلِّقَتْ حَمْلًا عَلَى التَّرْخِيمِ. قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ وَإِنْ نَوَى، فَإِنْ قَالَ: يَا طَالِ، وَنَوَى، وَقَعَ، لِأَنَّ التَّرْخِيمَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي النِّدَاءِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، فَلَا يَقَعُ إِلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ، وَأَنَّهُ إِذَا قَالَ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي، أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ، طُلِّقَتْ لِلْعُرْفِ. وَلَوْ قَالَ: فَرْضٌ عَلَيَّ، لَمْ تُطَلَّقْ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ. وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كِنَايَةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَاقُكِ عَلَيَّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَوَى، وَقَعَ، فَوَصَفَهُ بِوَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ يَزِيدُهُ تَأْكِيدًا. وَحَكَى صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» الْخِلَافَ فَقَالَ: لَوْ قَالَ طَلَاقُكِ لَازِمٌ لِي، فَوَجْهَانِ. قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: هُوَ صَرِيحٌ. وَلَوْ قَالَ: لَسْتِ بِزَوْجَةٍ لِي، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ. وَقِيلَ: لَغْوٌ. وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ وَنَوَى الطَّلَاقَ، إِنْ نَوَاهُ بِقَوْلِهِ: اذْهَبِي، وَقَعَ، وَإِنْ نَوَاهُ بِمَجْمُوعِ اللَّفْظَيْنِ، لَمْ يَقَعْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، بَلْ هُوَ لِاسْتِدْرَاكِ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: اذْهَبِي. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقَانِ أَوْ طَوَالِقُ، لَمْ يَقَعْ إِلَّا طَلْقَةٌ. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إِلَّا عَمْرَةَ، وَلَا امْرَأَةَ لَهُ سِوَاهَا، طُلِّقَتْ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُسْتَغْرِقٌ فَبَطَلَ. وَلَوْ قَالَ: النِّسَاءُ طَوَالِقُ إِلَّا عَمْرَةَ، وَلَا زَوْجَةَ لَهُ سِوَاهَا، لَمْ تُطَلَّقْ. وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى زَوْجَتِهِ، لَمْ تُطَلَّقْ. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute