فَصْلٌ
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَدِّ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُخْتَارًا مُكَلَّفًا، فَلَوْ أُكْرِهَ رَجُلٌ عَلَى الزِّنَا، فَزَنَى لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِأَنَّهُ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمِ التَّحْرِيمَ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَلَمْ يَعْلَمْ تَعَلُّقُ الْحَدِّ بِهِ، فَقَدْ جَعَلَهُ الْإِمَامُ عَلَى التَّرَدُّدِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَنْ وَطِئَ مَنْ يَظُنُّهَا مُشْتَرَكَةً فَكَانَتْ غَيْرَهَا.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
يُشْتَرَطُ لِلْحَدِّ ثُبُوتُ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تُوجِبُ الْحَدَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِلشُّهُودِ تَرْكُ الشَّهَادَةِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّ الشَّاهِدَ إِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّهَادَةِ، شَهِدَ، وَإِنْ رَآهَا فِي السَّتْرِ، سَتَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ، لَمْ يَجُزِ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الشَّفَاعَةُ فِيهِ، وَإِذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِزِنًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ سَقَطَ الْحَدُّ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ كَالسَّتْرِ ابْتِدَاءً، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ الْهَتْكَ قَدْ حَصَلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute