أَطْلَقَ الْقَيْدَ الْأَوَّلَ. فَأَمَّا مَنْ قَيَّدَهُ فَقَالَ: يَكُونُ قُوتًا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الثَّانِي؛ إِذْ لَيْسَ فِيمَا يُسْتَنْبَتُ إِلَّا مَا يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا، وَاعْتَبَرَ الْعِرَاقِيُّونَ مَعَ الْقَيْدَيْنِ، قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُدَّخَرَ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَيْبَسَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَازِمَانِ لِكُلِّ مُقْتَاتٍ مُسْتَنْبِتٍ.
فَصْلٌ
النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمُعَشَّرَاتِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ. فَالْخَمْسَةُ هِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ تَحْدِيدٌ، وَقِيلَ: تَقْرِيبٌ. فَعَلَى التَّقْرِيبِ يُحْتَمَلُ نُقْصَانُ الْقَلِيلِ كَالرِّطْلَيْنِ، وَحَاوَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ضَبْطُهُ فَقَالَ: الْأَوْسُقُ: الْأَوْقَارُ، وَالْوِقْرُ الْمُقْتَصِدُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رِطْلًا، فَكُلُّ نَقْصٍ لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ لَمْ تَعُدْ مُنْحَطَّةً عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ، لَا يَضُرُّ، وَإِنْ عُدَّتْ مُنْحَطَّةً، ضَرَّ، وَإِنْ أَشْكَلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا زَكَاةَ حَتَّى تُحَقَّقَ الْكَثْرَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ لِبَقَاءِ الْأَوْسُقِ، قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرَ. ثُمَّ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الِاعْتِبَارُ فِيمَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِالصَّاعِ وَالْمُدِّ بِمِقْدَارٍ مَوْزُونٍ يُضَافُ إِلَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ، لَا لِمَا يَحْوِي الْمُدُّ وَنَحْوُهُ، وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَيْلِ لَا بِالْوَزْنِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ: إِلَّا الْعَسَلُ إِذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ الزَّكَاةَ، فَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بِالْوَزْنِ. وَتَوَسَّطَ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» فَقَالَ: هُوَ عَلَى التَّحْدِيدِ فِي الْكَيْلِ، وَعَلَى التَّقْرِيبِ فِي الْوَزْنِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ: اعْتِبَارُ الْكَيْلِ كَمَا صَحَّحَهُ، وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ، وَصَنَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفًا، وَسَيَأْتِي فِي إِيضَاحِهِ زِيَادَةٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُنَاكَ نَذْكُرُ الْخِلَافَ فِي قَدْرِ رِطْلِ بَغْدَادَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute