فَصْلٌ
يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ حِفْظُ مَالِ الصَّبِيِّ وَصَوْنُهُ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَعَلَيْهِ اسْتِنْمَاءُ قَدْرِ مَا لَا تَأْكُلُ النَّفَقَةُ وَالْمُؤَنُ الْمَالَ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْمَاءِ وَطَلَبِ النِّهَايَةِ. وَإِذَا طُلِبَ مَتَاعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، لَزِمَهُ بَيْعُهُ. وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يُبَاعُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلِلطِّفْلِ مَالٌ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ إِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ لِنَفْسِهِ، هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْغِبْطَةِ، بَلْ بِالْأَمْوَالِ الْمُعَدَّةِ لِلتِّجَارَةِ. أَمَّا مَا يَحْتَاجُ إِلَى عَيْنِهِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى بَيْعِهِ وَإِنْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ. وَكَذَا الْعَقَارُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ كِفَايَتُهُ. وَكَذَا فِي طَرَفِ الشِّرَاءِ قَدْ يُؤْخَذُ الشَّيْءُ رَخِيصًا، لَكِنَّهُ عُرْضَةٌ لِلتَّلَفِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ بَيْعُهُ لِقِلَّةِ الرَّاغِبِينَ فِيهِ، فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى مَالِكِهِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا خَالَفَهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
إِذَا تَضَجَّرَ الْأَبُ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، رَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيَنْصِبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَنْصِبَ بِنَفْسِهِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ. وَلَوْ طَلَبَ مِنَ الْقَاضِي أَنْ يُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً عَلَى عَمَلِهِ، فَالَّذِي يُوَافِقُ كَلَامَ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ إِلَيْهِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا يَنْقَطِعُ عَنْ كَسْبِهِ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا سَبَقَ فِي «الْحَجْرِ» ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُثْبِتُ لَهُ أُجْرَةً، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ، فَجَازَ لَهُ طَلَبُهَا لِنَفْسِهِ، وَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ. وَعَلَى هَذَا، لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْقَاضِي، وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُتَبَرِّعٌ بِالْحِفْظِ وَالْعَمَلِ. فَإِنْ وُجِدَ مُتَبَرِّعٌ، وَطَلَبَ الْأَبُ الْأُجْرَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute