فَصْلٌ
إِذَا أَصَابَ النَّخْلَ عَطَشٌ، وَلَوْ تُرِكَتِ الثِّمَارُ عَلَيْهَا إِلَى أَوَانِ الْجِدَادِ لَأَضَرَّتْ بِهَا - جَازَ قَطْعُ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ، إِمَّا كُلُّهَا وَإِمَّا بَعْضُهَا. وَهَلْ يَسْتَقِلُّ الْمَالِكُ بِقَطْعِهَا، أَمْ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ أَوِ السَّاعِي؟ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَطَائِفَةٌ: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْذَانُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ، فَإِنِ اسْتَقَلَّ عُزِّرَ إِنْ كَانَ عَالِمًا.
قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالسَّرَخْسِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا إِذَا عَلِمَ السَّاعِي قَبْلَ الْقَطْعِ، وَأَرَادَ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يَخْرُصَ الثِّمَارَ وَيُعَيِّنَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فِي نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا - فَقَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: هُمَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إِفْرَازُ حَقٍّ. فَإِنْ قُلْنَا: إِفْرَازٌ، جَازَ، ثُمَّ لِلسَّاعِي أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَ الْمَسَاكِينِ لِلْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقْطَعَ وَيُفَرِّقَهُ بَيْنَهُمْ، يَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا بَيْعٌ، لَمْ يَجُزْ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَخْرُجُ الْقِسْمَةُ بَعْدَ قَطْعِهَا. إِنْ قُلْنَا: إِفْرَازٌ - جَازَتْ، وَإِلَّا، فَفِي جَوَازِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ بِمِثْلِهِ. فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، جَازَتِ الْقِسْمَةُ بِالْكَيْلِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَجُوزُ مُقَاسَمَةُ السَّاعِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ، فَلَا يُرَاعَى فِيهَا تَعَبُّدَاتُ الرِّبَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهَا، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لَا تَجُوزُ. فَعَلَى هَذَا لَهُ فِي الْأَخْذِ مَسْلَكَانِ أَحَدُهُمَا: يَأْخُذُ قِيمَةَ عُشْرِ الرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمُ الْقِيمَةَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي شِقْصِ الْحَيَوَانِ، وَالثَّانِي: يُسَلِّمُ عُشْرًا مُشَاعًا إِلَى السَّاعِي، لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمَسَاكِينِ، وَطَرِيقُ تَسْلِيمِ الْعُشْرِ تَسْلِيمُ الْجَمِيعِ. فَإِذَا سَلَّمَهُ، فَلِلسَّاعِي بَيْعُ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَبِيعُ هُوَ وَالْمَالِكُ وَيُقَسِّمَانِ الثَّمَنَ، وَهَذَا الْمَسْلَكُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزِ الْقِسْمَةَ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute