بَابُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ
فِيهِ أَطْرَافٌ: الْأَوَّلُ: فِي صِفَتِهِمْ، وَتُعْتَبَرُ فِيهِمُ الشَّوْكَةُ، وَالْبُعْدُ عَنِ الْغَوْثِ، وَأَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ مُكَلَّفِينَ، فَالْكُفَّارُ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ وَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ، وَقِيلَ: وَالْمُرَاهِقُونَ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ، وَيَضْمَنُونَ الْمَالَ وَالنَّفْسَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ، وَأَمَّا الشَّوْكَةُ، فَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ طَائِفَةٌ يَتَرَصَّدُونَ فِي الْمَكَامِنِ لِلرُّفْقَةِ، فَإِذَا رَأَوْهُمْ، بَرَزُوا قَاصِدِينَ الْأَمْوَالَ مُعْتَمِدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ يَتَغَلَّبُونَ بِهَا، وَفِيهِمْ شُرِّعَتِ الْعُقُوبَاتُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي سَنَصِفُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَعْتَمِدُونَ قُوَّةً، وَلَكِنْ يَنْتَهِزُونَ وَيَخْتَلِسُونَ، وَيُوَلُّونَ مُعْتَمِدِينَ عَلَى رَكْضِ الْخَيْلِ، أَوِ الْعَدْوِ عَلَى الْأَقْدَامِ، كَمَا يَتَعَرَّضُ الْوَاحِدُ وَالنَّفَرُ الْيَسِيرُ لِأَخْذِ الْقَافِلَةِ فَيَسْلِبُونَ شَيْئًا، فَلَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَحُكْمُهُمْ فِي الضَّمَانِ وَالْقِصَاصِ حُكْمُ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ خَرَجَ وَاحِدٌ أَوْ شِرْذِمَةٌ يَسِيرَةٌ، فَقَصَدَهُمْ جَمَاعَةٌ يَغْلِبُونَهُمْ بِقُوَّتِهِمْ، فَهُمْ قُطَّاعٌ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ عَدَدُهُمْ، لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ وَالنَّجْدَةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْوَاحِدِ وَالشِّرْذِمَةِ، كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فِي كَهْفٍ، أَوْ شَاهِقِ جَبَلٍ، فَإِنْ مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَعُدَّةٌ، لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، وَإِنْ مَرَّ قَوْمٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ، قَصَدُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، فَحُكْمُهُمْ حَكَمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي حَقِّ الطَّائِفَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلْأَقْوِيَاءِ وَأَخَذُوا شَيْئًا، فَهُمْ مُخْتَلِسُونَ، وَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُفَصِّلَ الْقَوْلَ فِي الرُّفْقَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْوَاحِدِ، فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ يُعَدُّ تَضْيِيعًا وَتَغْرِيرًا بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، فَالْمُتَعَرِّضُونَ لَهُمْ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَيَنْزِلُ خُرُوجُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَتَرْكِ الْمَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ حِرْزَا، وَأَقَامَ الْإِمَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute