احْفَظْهُ، فَأَهْمَلَهُ الْحَارِسُ، فَسُرِقَ مَا فِيهِ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ يَدِهِ، وَلَوْ سَرَقَهُ الْحَارِسُ، قُطِعَ، وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ: إِذَا تَغَفَّلَ السَّارِقُ الْحَمَّامِيَّ وَسَرَقَ الثِّيَابَ، اعْتُبِرَ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنَ الْحَمَّامِ، وَأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الْقَطْعِ أَخَذُهُ، وَلَا النَّقْلُ بِخُطْوَةٍ وَنَحْوِهَا، بَلْ ضَبْطُ مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِحْرَازُ مِثْلِهِ بِالْمُعَايَنَةِ، فَإِذَا غَيَّبَهُ عَنْ عَيْنِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَنَبَّهَ لَهُ لَمْ يَرَهُ، بِأَنْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ، أَوْ وَارَاهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلَّمَ قِرْدًا النُّزُولَ إِلَى الدَّارِ، وَإِخْرَاجَ الْمَتَاعِ، فَنَقَّبَ، وَأَرْسَلَ الْقِرْدَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ؛ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ الْأَخْذِ بِالْمِحْجَنِ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: لَوْ وُضِعَ مَيِّتٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَنُضِدَتِ الْحِجَارَةُ عَلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ كَالدَّفْنِ، حَتَّى يَجِبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُمُ الْحَفْرُ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ إِلَّا إِنْ تَعَذَّرَ الْحَفْرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي بَحْرٍ، فَطُرِحَ الْمَيِّتُ فِي الْمَاءِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ كَفَنَهُ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَأُخِذَ، وَلَوْ غَيَّبَهُ الْمَاءُ، فَغَاصَ سَارِقٌ، وَأَخَذَ الْكَفَنَ، لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طَرْحَهُ لَا يُعَدُّ إِحْرَازًا، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute