فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنَ الْحُلِيِّ
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا هَاهُنَا لِيُعْلَمَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَمَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ. فَالْمَذْهَبُ: أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَعَلَى الْإِبَاحَةِ لِلنِّسَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ التَّحْرِيمِ عَلَى الرِّجَالِ مَوْضِعَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ اتِّخَاذُ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنِ اتِّخَاذِهِ فِضَّةً، وَفِي مَعْنَى الْأَنْفِ: السِّنُّ وَالْأُنْمُلَةُ، فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُمَا ذَهَبًا، وَمَا جَازَ مِنَ الذَّهَبِ فَمِنَ الْفِضَّةِ أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ أُصْبُعُهُ أَنْ يَتَّخِذَهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ.
قُلْتُ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَمْوِيهُ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَغَيْرِهِمَا تَمْوِيهًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِالتَّحْرِيمِ. وَأَمَّا اتِّخَاذُ سِنٍّأَوْ أَسْنَانٍ مِنْ ذَهَبٍ لِلْخَاتَمِ، فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ، وَكُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ عَلَى الرِّجَالِ حَرَّمْنَاهُ عَلَى الْخُنْثَى، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: فِي وُجُوبِهَا الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ، وَأَشَارَ فِي «التَّتِمَّةِ» إِلَى أَنَّ لَهُ لُبْسَ حُلِيِّ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ لُبْسُهَا فِي الصِّغَرِ فَتَبْقَى. وَأَمَّا الْفِضَّةُ: فَيَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّخَتُّمُ بِهَا، وَهَلْ لَهُ لُبْسُ مَا سِوَى الْخَاتَمِ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ، كَالدُّمْلُجِ، وَالسِّوَارِ، وَالطَّوْقِ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ: يَحْرُمُ، وَقَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَالْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إِلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي، وَتَحْرِيمُ التَّحَلِّي عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ التَّشْبِيهَ بِالنِّسَاءِ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ كَالسَّيْفِ، وَالرُّمْحِ، وَأَطْرَافِ السِّهَامِ، وَالدِّرْعِ، وَالْمِنْطَقَةِ، وَالرَّانَيْنِ، وَالْخُفِّ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يَغِيظُ الْكُفَّارَ. وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالثَّفَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute