أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ الْيَدِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ أُصْبُعٍ، وَأَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِرَاحَةُ عَلَى عُضْوٍ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، كَالظَّهْرِ وَالْكَتِفِ وَالْفَخِذِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ حُكُومَتُهَا دِيَةَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ، كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَأَنْ تُزَادَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَنْقُصُ عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ. وَعَدَّ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ السَّاعِدَ وَالْعَضُدَ؛ فَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ حُكُومَةُ جَرْحِ أَحَدِهِمَا دِيَةَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ، وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا. وَسَوَّى الْغَزَالِيُّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَفِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الْكَفَّ هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْأَصَابِعَ دُونَ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ.
فَصْلٌ
إِنَّمَا يُقَوَّمُ لِمَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجِرَاحَةِ، وَنُقْصَانُ الْقِيمَةِ حِينَئِذٍ قَدْ يَكُونُ لِضَعْفٍ وَنَقْصٍ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِنَقْصِ الْجَمَالِ بِاعْوِجَاجٍ، أَوْ أَثَرٍ قَبِيحٍ، أَوْ شَيْنٍ مِنْ سَوَادٍ وَغَيْرِهِ، فَلَوِ انْدَمَلَتِ الْجِرَاحَةُ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ فِي مَنْفَعَةٍ وَلَا فِي جَمَالٍ وَلَمْ تَنْقُصِ الْقِيمَةُ، فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا وَيُنْسَبُ إِلَى ابْنِ سُرَيْجٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى التَّعْزِيرِ، كَمَا لَوْ لَطَمَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ بِمُثْقَلٍ؛ فَزَالَ الْأَلَمُ، وَلَمْ يُنْقَصْ مَنْفَعَةٌ وَلَا جَمَالٌ.
وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ؛ فَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقَدِّرُ الْحَاكِمُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى خِفَّةِ الْجِنَايَةِ وَفُحْشِهَا فِي الْمَنْظَرِ سَعَةً أَوْ غَوْصًا وَقَدْرِ الْآلَامِ الْمُتَوَلِّدَةِ، وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ أَقْرَبُهَا إِلَى الِانْدِمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ نَقْصٌ إِلَّا فِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ، تَرَقَّبْنَا وَاعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَالْجِرَاحَةَ السَّائِلَةَ.
فَإِنْ فُرِضَتِ الْجِرَاحَةُ خَفِيفَةً لَا تُؤَثِّرُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَيْضًا، فَفِي «الْوَسِيطِ» أَنَّا نُلْحِقُهَا بِاللَّطْمِ وَالضَّرْبِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّ الْحَاكِمَ يُوجِبُ شَيْئًا بِالِاجْتِهَادِ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا أَوْ سِنًّا زَائِدَةً أَوْ أَتْلَفَ لِحْيَةَ امْرَأَةٍ، وَأَفْسَدَ مَنْبَتَهَا، وَلَمْ تَنْقُصِ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا زَادَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute