كَانَتِ الْأَرْضُ الْمَبِيعَةُ مُلَاصِقَةً لِلشَّارِعِ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي سُلُوكُ مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهَا الدُّخُولُ مِنَ الشَّارِعِ، فَيُنَزَّلُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ مُلَاصِقَةً مِلْكِ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْمُرُورِ فِيمَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ، بَلْ يَدْخُلُ مِنْ مِلْكِهِ الْقَدِيمِ. وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِيهِ احْتِمَالًا، قَالَ: وَهَذَا إِذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ، أَمَّا إِذَا قَالَ: بِحُقُوقِهَا، فَلَهُ الْمَمَرُّ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا فَلَهُ الْمَمَرُّ، فَإِنْ نَفَى الْمَمَرَّ، نَظَرَ، إِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانُ كَمَنْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقَدْرُ، فَالْمَبِيعُ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ السَّلَمُ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ بِاسْمِ الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ فِيهِمَا جَمِيعًا قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا، فَمَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنَ العِوَضَيْنِ، اشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ مِلْءَ هَذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الصَّنْجَةِ ذَهَبًا، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ، وَأَحَدُهُمَا لَا يَعْلَمُ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، لِلْغَرَرِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ مَجْهُولَةً فِي الْحَالِ. وَقِيلَ: إِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَلَّا يَكْفِيَ عِلْمُهُمَا بِالْقِيمَةِ، بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ قَصْدُهُمَا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْمُسْتَظْهَرِيِّ» فِيمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمَا حَالَ الْعَقْدِ قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute