كِتَابُ السَّلَمِ
يُقَالُ: السَّلَمُ وَالسَّلَفُ، وَلَفْظَةُ السَّلَفِ تُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقَرْضِ، وَيَشْتَرِكُ السَّلَمُ وَالْقَرْضُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِمَبْذُولٍ فِي الْحَالِ، وَذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ السَّلَمِ عِبَارَاتٍ مُتَقَارِبَةً. مِنْهَا: أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ بِبَدَلٍ يُعْطَى عَاجِلًا. وَقِيلَ: إِسْلَامُ عِوَضٍ حَاضَرٍ فِي مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: إِسْلَافٌ عَاجِلٌ فِي عِوَضٍ لَا يَجِبُ تَعْجِيلُهُ. ثُمَّ السَّلَمُ: بَيْعٌ، كَمَا سَبَقَ، وَيَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ بَعْضِهِ، بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ، وَسَقَطَ بِقِسْطِهِ مِنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَالْحُكْمُ فِي الْمَقْبُوضِ، كَمَنِ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْعَقْدِ، بَلْ لَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ دَيْنَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا، ثُمَّ عُيِّنَ وَسُلِّمَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّرْفِ لَوْ بَاعَ دَيْنَارًا بِدَيْنَارٍ، أَوْ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، عُيِّنَ وَسُلِّمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ عُيِّنَ وَسُلِّمَ فِي الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: الْجَوَازُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِيهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ. فَلَوْ قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْمُسْلَمِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ. وَلَوْ رَدَّهُ إِلَيْهِ عَنْ دَيْنٍ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفٌ قَبْلَ انْبِرَامِ مِلْكِهِ. فَإِذَا تَفَرَّقَا، فَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ السَّلَمُ لِحُصُولِ الْقَبْضِ وَانْبِرَامِ الْمِلْكِ، وَيَسْتَأْنِفُ إِقْبَاضَهُ لِلدَّيْنِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي فِي ذِمَّتِكَ فِي كَذَا، فَإِنْ أَسْلَمَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَلَمْ يَقْبِضِ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute