فَصْلٌ
فِي اسْتِتْبَاعِ اللَّيَالِي الْأَيَّامَ وَعَكْسِهِ.
فَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ، لَزِمَهُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَيَّامُ شَهْرٍ، أَوْ نَهَارُهُ، فَلَا تَلْزَمُ اللَّيَالِي. وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَيَالِي هَذَا الشَّهْرِ، لَا تَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ. وَلَوْ لَمْ يَلْفُظْ بِالتَّقْيِيدِ، لَكِنْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ.
ثُمَّ إِذَا أَطْلَقَ الشَّهْرَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْهِلَالِ، كَفَاهُ ذَلِكَ الشَّهْرُ تَمَّ أَوْ نَقَصَ. فَإِنْ دَخَلَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، اسْتَكْمَلَ بِالْعَدَدِ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمُّ اللَّيْلَةِ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا، فَتَلْزَمُهُ.
وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّ اللَّيْلَةَ تَدَخُلُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ، فَفِي لُزُومِ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: لَا تَلْزَمُ، إِلَّا إِذَا نَوَاهَا، وَالثَّانِي: تَلْزَمُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيَاضَ النَّهَارِ فَقَطْ، وَالثَّالِثُ: إِنْ نَوَى التَّتَابُعَ، أَوْ صَرَّحَ بِهِ، لَزِمَتْ، لِيَحْصُلَ التَّوَاصُلُ، وَإِلَّا، فَلَا. وَهَذَا الثَّالِثُ أَرْجَحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
وَرَجَّحَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَآخَرُونَ: الْأَوَّلَ.
وَالْوَجْهُ: التَّوَسُّطُ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّتَابُعِ تَوَالِيَ الْيَوْمَيْنِ، فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَوَاصُلَ الِاعْتِكَافِ، فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ.
وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ، فَفِي النَّهَارِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا هَذَا الْخِلَافُ. وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ عَشَرَةً، أَوْ ثَلَاثِينَ، فَفِي لُزُومِ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ هَذَا الْخِلَافُ.
وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ، وَهِيَ تَنْقُصُ عَنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ بِوَاحِدٍ أَبَدًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَيَالِي بِعَدَدِ الْأَيَّامِ.
وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرٍ، دَخَلَ فِيهِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي، وَتَكُونُ اللَّيَالِي هُنَا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ كَمَا فِي الشَّهْرِ، فَيَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، وَيَخْرُجُ إِذَا اسْتَهَلَّ الْهِلَالُ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ.