للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّهَارِ وَخَرَجَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَكَثَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَهُوَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يُجْزِئُهُ، سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ أَوْ مَنَعْنَاهُ، لِحُصُولِ التَّوَاصُلِ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ: لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِيَوْمٍ مُتَوَاصِلِ السَّاعَاتِ، وَاللَّيْلَةُ لَيْسَتْ مِنَ الْيَوْمِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ.

وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دُخُولُ الْمُعْتَكَفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِاللَّيْلِ لِيَتَحَقَّقَ التَّتَابُعُ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُلْتَزَمَ يَوْمٌ وَلَيْسَتِ اللَّيْلَةُ مِنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ التَّتَابُعَ. وَالْقِيَاسُ: أَنْ يَجْعَلَ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، الْقَطْعَ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرَ.

ثُمَّ حَكَى الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ السَّاعَاتِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ سَاعَاتُ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَكَفَ أَقْصَرَ الْأَيَّامِ، جَازَ.

ثُمَّ قَالَ: إِنْ فَرَّقَ عَلَى سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ فِي سِنِينَ، فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنِ اعْتَكَفَ فِي أَيَّامٍ مُتَبَايِنَةٍ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ اعْتِكَافُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالْجُزْئِيَّةِ إِلَيْهِ، إِنْ كَانَ ثُلُثًا، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ ثُلُثِ مَا عَلَيْهِ.

وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، نَظَرًا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ. وَلِهَذَا، لَوِ اعْتَكَفَ مِنْ يَوْمٍ طَوِيلٍ بِقَدْرِ سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ، لَمْ يَكْفِهِ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ حَسَنٌ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي.

أَمَّا إِذَا عَيَّنَ الْمُدَّةَ الْمَنْذُورَةَ، بِأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْآنِ، أَوْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ، أَوْ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ هَذَا الشَّهْرِ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ.

فَلَوْ أَفْسَدَ آخِرَهُ بِخُرُوجٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَجِبِ الِاسْتِئْنَافُ. وَلَوْ فَاتَهُ الْجَمِيعُ، لَمْ يَجِبِ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ.

هَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ، فَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: أَعْتَكِفُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ مُتَتَابِعَةً، فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ لِفَسَادِ آخِرِهِ، أَوِ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ؟ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: يَجِبَانِ، لِتَصْرِيحِهِ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَقَعُ ضَرُورَةً، فَلَا أَثَرَ لِتَصْرِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>