الْأَحْكَامِ وَجْهَانِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: الْأَصَحُّ لَا نَقْضَ، لِأَنَّهَا اجْتِهَادِيَّةٌ، وَالْأَدِلَّةُ مُتَقَارِبَةٌ، وَمَنْ نَقَضَ، قَالَ: فِيهَا نُصُوصٌ وَأَقْيِسَةٌ جَلِيَّةٌ، وَيُنْقَضُ قَضَاءُ مَنْ حَكَمَ بِالِاسْتِحْسَانِ الْفَاسِدِ.
فَرْعٌ
مَا يُنْقَضُ مِنَ الْأَحْكَامِ لَوْ كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ، وَأَمَّا مَا لَا يُنْقَضُ وَيَرَى غَيْرُهُ أَصْوَبَ مِنْهُ، فَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ، وَلَا يُنَفِّذُهُ؛ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: لَا أُحِبُّ تَنْفِيذَهُ. وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِتَجْوِيزِ التَّنْفِيذِ، وَقَدْ صَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِنَقْلِ الْخِلَافِ، فَقَالَ: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ قَبْلَهُ، فَلَمْ يَرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، لَكِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُعْرِضُ عَنْهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُنَفِّذُهُ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، وَتَرَافَعَ خُصَمَاءُ الْحَادِثَةِ إِلَيْهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الْأَوَّلَ، وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ.
إِذَا اسْتُقْضِيَ مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ، فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْأُصُولِ: إِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مُقَلَّدِهِ، نُقِضَ حُكْمُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ، لَمْ يُنْقَضْ.
فَصْلٌ
حُكْمُ الْقَاضِي ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: مِمَّا لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَنْفِيذٌ لِمَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ، فَيُنَفَّذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِظَاهِرَيِ الْعَدَالَةِ، لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ الْحِلُّ بَاطِنًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute