مَنْزِلَةَ حَلِفِ النَّاكِلِ أَوَّلًا. وَلَوْ نَكَلَ الْأَوَّلُ عَنْ يَمِينِ النَّفْيِ أَوَّلًا، حَلَفَ الْآخَرُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَقُضِيَ لَهُ. وَلَوْ حَلَفَا عَلَى النَّفْيِ فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَكْفِي ذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ بَعْدَهُ إِلَى يَمِينِ الْإِثْبَاتِ ; لِأَنَّ الْمُحْوِجَ إِلَى الْفَسْخِ جَهَالَةُ الثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَتْ. وَالثَّانِي: تُعْرَضُ يَمِينُ الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ حَلَفَا تَمَّ التَّحَالُفُ. وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، قُضِيَ لِلْحَالِفِ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ فِي تَقْدِيمِ النَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَذْهَبِ. فَلَوْ نَكَلَا جَمِيعًا فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَتَحَالُفِهِمَا. وَالثَّانِي: يُوقَفُ الْأَمْرُ وَكَأَنَّهُمَا تَرَكَا الْخُصُومَةَ.
قُلْتُ: هَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَيْنِ لِنَفْسِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى التَّوَقُّفَ لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» : لَهُ حُكْمُ التَّحَالُفِ عَلَى الظَّاهِرِ. وَالْأَصَحُّ: اخْتِيَارُ التَّوَقُّفِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
إِذَا تَحَالَفَا، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ. وَفِي وَجْهٍ: يَنْفَسِخُ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ، فَإِنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ، فَتَصَادَقَا بَعْدَهُ، لَمْ يَعُدِ الْبَيْعُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ عَقْدٍ. وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْحَالِ، أَوْ نَتَبَيَّنُ ارْتِفَاعَهُ مَنْ أَصْلِهِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاخْتِلَافِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ دَعَاهُمَا الْحَاكِمُ بَعْدَ التَّحَالُفِ إِلَى الْمُوَافَقَةِ، فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي مَا طَلَبَهُ الْبَائِعُ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَإِنْ قَنَعَ بِمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي فَذَاكَ، وَإِلَّا فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ. وَفِي مَنْ يَفْسَخُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْحَاكِمُ. وَأَصَحُّهُمَا لِلْعَاقِدَيْنِ أَيْضًا أَنْ يَفْسَخَا، وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِذَا قُلْنَا: الْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ، فَذَاكَ إِذَا اسْتَمَرَّا عَلَى النِّزَاعِ وَلَمْ يَفْسَخَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute