فَصْلٌ
فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى
أَمَّا الْعُمْرَى، فَقَوْلُهُ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا، أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ، أَوْ حَيَاتَكَ، أَوْ مَا عِشْتَ، أَوْ حَيِيتَ، أَوْ بَقِيتَ، وَمَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى. ثُمَّ لَهُ أَحْوَالٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ: فَإِذَا مُتُّ، فَهِيَ لِوَرَثَتِكَ، أَوْ لِعَقِبِكَ وَهِيَ الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا، لَكِنَّهُ طَوَّلَ الْعِبَارَةَ فَإِذَا مَاتَ. فَالدَّارُ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا، فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ.
الثَّانِي: يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا سِوَاهُ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَهُ حُكْمُ الْهِبَةِ. وَالْقَدِيمُ: أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقَدِيمَ: أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ حَيَاتَهُ. فَإِذَا مَاتَ، عَادَتْ إِلَى الْوَاهِبِ، أَوْ وَرَثَتِهِ كَمَا شَرَطَ. وَقِيلَ: الْقَدِيمُ: أَنَّهَا تَكُونُ عَارِيَّةً يَسْتَرِدُّهَا مَتَى شَاءَ، فَإِذَا مَاتَ، عَادَتْ إِلَى الْوَاهِبِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ، فَإِذَا مُتُّ عَادَتْ إِلَيَّ، أَوْ إِلَى وَرَثَتِي إِنْ كُنْتُ مُتُّ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي الْحَالِ الثَّانِي، فَهُنَا أَوْلَى. وَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ، وَالْعَوْدِ إِلَى الْوَاهِبِ، فَكَذَا هُنَا. وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبُطْلَانُ. وَالصَّحِيحُ: الصِّحَّةُ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَسَوَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَعَدَلُوا بِهِ عَنْ قِيَاسِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
وَأَمَّا الرُّقْبَى: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَكَ، عَلَى أَنَّكَ إِنْ مُتَّ قَبْلِي عَادَتْ إِلَيَّ. وَإِنْ مُتُّ قَبْلَكَ اسْتَقَرَّتْ لَكَ، أَوْ جَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لَكَ رُقْبَى، أَوْ أَرْقَبْتُهَا لَكَ. وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَالِ الثَّالِثِ مِنَ الْعُمْرَى، وَحَاصِلُهُ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ. وَأَصَحُّهُمَا: قَوْلَانِ. الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: صِحَّتُهُ، وَيَلْغُو الشَّرْطُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute