فَصْلٌ
الْفِطْرَةُ قَدْ يُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ يُؤَدِّيهَا عَنْ غَيْرِهِ. وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثٌ: الْمِلْكُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْقَرَابَةُ. وَكُلُّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِطْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْهَا لَزِمَهُ فِطْرَةُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أُمُورٌ، وَيُسْتَثْنَى عَنْهُ صُوَرٌ، مِنْهَا: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: مُخْتَلَفٌ فِيهِ، سَتَظْهَرُ بِالتَّفْرِيعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجِبُ فِطْرَةُ الزَّوْجَةِ فِي مَالِهَا، لَا عَلَى الزَّوْجِ. فَمِنَ الْمُسْتَثْنَى: أَنَّ الِابْنَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ، تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ الْإِعْفَافِ، وَفِي وُجُوبِ فِطْرَتِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ فِي طَائِفَةٍ: وُجُوبُهَا. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ صَاحِبَيِ «التَّهْذِيبِ» وَ «الْعُدَّةِ» وَغَيْرِهِمَا: لَا تَجِبُ.
قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ بِصِحَّتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي فِطْرَةِ مُسْتَوْلِدَتِهِ. ثُمَّ مَنْ عَدَا الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ مِنَ الْأَقَارِبِ، كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ: لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ، كَمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ. وَأَمَّا الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ، فَإِنْ كَانُوا مُوسَرِينَ، لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُمْ، وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ جَمَعَ مِنْهُمْ إِلَى الْإِعْسَارِ الصِّغَرَ، أَوِ الْجُنُونَ، أَوِ الزَّمَانَةَ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ، وَمَنْ تَجَرَّدَ فِي حَقِّهِ الْإِعْسَارُ، فَفِي نَفَقَتِهِ قَوْلَانِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْوُجُوبِ فِي الْأُصُولِ. وَحُكْمُ الْفِطْرَةِ حُكْمُ النَّفَقَةِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا. إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَوْ كَانَ الِابْنُ الْكَبِيرُ فِي نَفَقَةِ أَبِيهِ، فَوَجَدَ قُوَّتَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ فَقَطْ، لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ، وَلَا عَلَى الِابْنِ، لِإِعْسَارِهِ.
وَإِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَفِي سُقُوطِ الْفِطْرَةِ عَنِ الْأَبِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: السُّقُوطُ كَالْكَبِيرِ، وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ لِتَأَكُّدِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute