فَصْلٌ
لَا يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ مُخْطِرًا، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ.
هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي «الْأُمِّ» عَلَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ قِصَاصَ الطَّرَفِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَلَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ رَجُلٍ، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي الْجَمِيعِ مُتَوَالِيًا سَوَاءٌ قَطَعَهَا الْجَانِي مُتَوَالِيَةً أَمْ مُتَفَرِّقَةً.
وَقِيلَ: يُفَرَّقُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُفَرَّقُ إِنْ فَرَّقَ، وَيُوَالِي إِنْ وَالَى، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ فِي الْحَالِ.
الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ، وَلَا تُحَدُّ لِلْقَذْفِ، وَلَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ الْحَامِلُ مِنْ زِنًى أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ وَجَبَتِ الْعُقُوبَةُ قَبْلَ الْحَمْلِ أَمْ بَعْدَهُ، حَتَّى إِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ حَبَلَتْ مِنْ زِنًى بَعْدَ الرِّدَّةِ، لَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ.
وَإِذَا وَضَعَتْ لَا تُسْتَوْفَى الْعُقُوبَةَ حَتَّى تَسْقِيَ الْوَلَدَ اللَّبَنَ، وَمَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إِلَى أَنَّهَا لَا تُمْهَلُ لِإِرْضَاعِهِ اللَّبَنَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ دُونَهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ مَعَ أَنَّهُ تَأْخِيرٌ يَسِيرٌ، ثُمَّ إِذَا أَرْضَعَتْهُ اللَّبَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُرْضِعُهُ، وَلَا مَا يَعِيشُ بِهِ الْوَلَدُ مِنْ لَبَنِ بَهِيمَةٍ وَغَيْرِهِ، فَوَجْهَانِ.
قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ: يُقْتَصُّ مِنْهَا، وَلَا يُبَالَى بِالطِّفْلِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ إِلَى أَنْ تُوجَدَ مُرْضِعَةٌ أَوْ مَا يَعِيشُ بِهِ، أَوْ تُرْضِعُهُ هِيَ حَوْلَيْنِ وَتَفْطِمُهُ، لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ احْتِيَاطًا لِلْحَمْلِ، فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ، وَتَيَقُّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute