كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَقِتَالُ الْبُغَاةِ
فِيهِ بَابَانِ:
الْأَوَّلُ فِي الْإِمَامَةِ، وَفِيهِ فُصُولٌ:
الْأَوَّلَ: فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَهِيَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا مُسْلِمًا عَدْلًا، حُرًّا ذَكَرًا عَالِمًا، مُجْتَهِدًا شُجَاعًا، ذَا رَأْيٍ وَكِفَايَةٍ، سَمِيعًا بَعِيدًا، نَاطِقًا قُرَشِيًّا، فِي اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْأُذُنِ خِلَافٌ، جَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاشْتِرَاطِ سَلَامَتِهِ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةَ النُّهُوضِ، وَهَذَا أَصَحُّ.
قُلْتُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عَشَا الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ مِنِ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ ; لِأَنَّهُ مَرَضٌ فِي زَمَنِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَيُرْجَى زَوَالُهُ، وَضَعْفُ الْبَصَرِ إِنْ كَانَ يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ الْأَشْخَاصِ، مَنَعَ انْعِقَادَ الْإِمَامَةِ وَاسْتَدَامَتَهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَفَقْدُ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَقَطْعُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، لَا يُؤَثِّرُ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قُرَشِيٌّ مُسْتَجْمِعٌ الشُّرُوطَ، فَكِنَانِيٌّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْتَجْمِعٌ الشَّرَائِطَ، فَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ يُوَلَّى رَجُلٌ مِنَ الْعَجَمِ، وَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّهُ يُوَلَّى جُرْهُمِيٌّ، وَجُرْهُمٌ أَصْلُ الْعَرَبِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ جُرْهُمِيٌّ، فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا، وَلَا كَوْنُهُ مَعْصُومًا، وَفِي جَوَازِ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَتَّفِقِ الْكَلِمَةُ إِلَّا عَلَيْهِ، جَازَتْ تَوْلِيَتُهُ بِلَا خِلَافٍ، لِتَنْدَفِعَ الْفِتْنَةُ، وَلَوْ نَشَأَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَفْضُولِ، لَمْ يُعْدَلْ إِلَى النَّاشِئِ بِلَا خِلَافٍ.
الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي وُجُوبِ الْإِمَامَةِ وَبَيَانِ طُرُقِهَا، لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ يُقِيمُ الدِّينَ، وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ، وَيَنْتَصِفُ لِلْمَظْلُومِينَ، وَيَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute