للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحَوَالَةِ

أَصْلُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ اسْتُحِبَّ أَنْ يُحْتَالَ. وَلَا بُدَّ فِي وُجُودِهَا مِنْ سِتَّةِ أُمُورٍ: مُحِيلٌ، وَمُحْتَالٌ، وَمُحَالٌ عَلَيْهِ، وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَمُرَاضَاةٌ بِالْحَوَالَةِ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا أُمُورٌ. مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الدَّيْنَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَشْخَاصِ الثَّلَاثَةِ.

وَفِي حَقِيقَةِ الْحَوَالَةِ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا اسْتِيفَاءُ حَقٍّ، كَأَنَّ الْمُحْتَالَ اسْتَوْفَى مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ وَأَقْرَضَهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ. إِذْ لَوْ كَانَتْ مُعَاوَضَةً، لَمَا جَازَ فِيهَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا كَانَا رِبَوِيَّيْنِ. وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا بَيْعٌ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ؛ لِأَنَّهَا تَبْدِيلُ مَالٍ بِمَالٍ. وَعَلَى هَذَا، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، وَإِلَّا، فَيَبْطُلُ، لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَاسْتُثْنِيَ هَذَا لِلْحَاجَةِ. قَالَ الْإِمَامُ وَشَيْخُهُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: لَا خِلَافَ فِي اشْتِمَالِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ: الِاسْتِيفَاءُ وَالِاعْتِيَاضُ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَغْلَبُ؟

أَمَّا شُرُوطُهَا فَثَلَاثَةٌ.

الْأَوَّلُ: الرِّضَى، فَلَا تَصِحٌّ إِلَّا بِرِضَى الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ. وَأَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمُحِيلِ، لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، لَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَاهُ قَطْعًا. وَبِإِذْنِهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اعْتِيَاضٌ أَمِ اسْتِيفَاءٌ، إِنْ قُلْنَا: اسْتِيفَاءٌ، صَحَّ، وَإِلَّا، فَلَا. فَإِنْ صَحَّحْنَا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَبْرَأُ الْمُحِيلُ بِنَفْسِ الْحَوَالَةِ كَسَائِرِ الْحَوَالَاتِ. وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَبْرَأُ، بَلْ قَبُولُهُ ضَمَانٌ مُجَرَّدٌ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْحَوَالَةُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَطَوَّعَ وَأَدَّاهُ، كَانَ قَضَاءٌ لِدَيْنِ غَيْرِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إِنْ أَدَّى بِإِذْنِهِ، وَكَذَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِجَرَيَانِ الْحَوَالَةِ بِإِذْنِهِ، وَفِي رُجُوعِهِ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>