فَصْلٌ
الْجِنَايَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي تَعْزِيرِهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ، أَوِ اقْتِصَارٍ عَلَى التَّوْبِيخِ بِالْكَلَامِ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الْعَفْوِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْجِنَايَةُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَهَلْ يَجِبُ التَّعْزِيرُ إِذَا طَلَبَ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجِبُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ «الْمُهَذَّبِ» كَالْقِصَاصِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ، كَالتَّعْزِيرِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ: قَدْرُ التَّعْزِيرِ وَمَا بِهِ التَّعْزِيرُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَلَا تَكَادُ تَظْهَرُ جِنَايَتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ إِلَّا وَيُوَبِّخُهُ، وَيُغْلِظُ لَهُ الْقَوْلَ، فَيُؤَوَّلُ الْخِلَافُ إِلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّوْبِيخِ؟ وَلَوْ عَفَا مُسْتَحَقُّ الْعُقُوبَةِ عَنِ الْقِصَاصِ أَوِ الْحَدِّ أَوِ التَّعْزِيرِ، فَهَلْ لِلْإِمَامِ التَّعْزِيرُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: لَا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهَا. وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَاجُ إِلَى زَجْرِهِ وَزَجَرِ غَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَأَصَحُّهَا: إِنْ عَفَا عَنِ الْحَدِّ، فَلَا تَعْزِيرَ، وَإِنْ عَفَا عَنْ تَعْزِيرٍ، عُزِّرَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ لَا نَظَرَ لِلْإِمَامِ فِيهِ، فَإِذَا سَقَطَ، لَمْ يَعْدِلْ إِلَى غَيْرِهِ، وَالتَّعْزِيرُ يَتَعَلَّقُ أَصْلُهُ بِنَظَرِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إِسْقَاطُ غَيْرِهِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute