فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالضِّيَافَةِ.
إِحْدَاهَا: لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْكُلَ إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَفْظًا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَنْتَظِرُ حُضُورَ غَيْرِهِ، فَلَا يَأْكُلْ حَتَّى يَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ الْمُضِيفُ لَفْظًا.
وَفِي «الْوَسِيطِ» أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ الِاكْتِفَاءُ بِقَرِينَةِ التَّقْدِيمِ، وَلِلْقَرِينَةِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنَ الْحَبَابِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الطُّرُقِ، وَكَانَ السَّلَفُ يَأْكُلُونَ مِنْ بُيُوتِ إِخْوَانِهِمْ لِلِانْبِسَاطِ وَهُمْ غُيَّبٌ.
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: تَقْدِيمُ الطَّعَامِ، إِنَّمَا يَكْفِي إِذَا دَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ دَعْوَةً، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِذْنِ لَفْظًا، إِلَّا إِذَا جَعَلْنَا الْمُعَاطَاةَ بَيْعًا، وَقَرِينَةُ التَّقْدِيمِ لَا تَخْتَلِفُ لِسَبْقِ الدَّعْوَةِ وَعَدَمِهِ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ بِتَقْدِيمِ الطَّعَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ بِلَا لَفْظٍ، سَوَاءٌ دَعَاهُ أَمْ لَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُنْتَظِرًا غَيْرَهُ كَمَا سَبَقَ. وَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الصَّدِيقِ وَبُسْتَانِهِ وَنَحْوِهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ فَجَائِزٌ، بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةُ: هَلْ يَمْلِكُ الضَّيْفُ مَا يَأْكُلُهُ؟ وَجْهَانِ. قَالَ الْقَفَّالُ: لَا بَلْ هُوَ إِتْلَافٌ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَأْكُلْ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: نَعَمْ. وَبِمَ يَمْلِكُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. قِيلَ: بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقِيلَ: بِالْأَخْذِ، وَقِيلَ: بِوَضْعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute