فَرْعٌ
مَنْ زَنَا مَرَّةً وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ عَدْلٌ عَفِيفٌ، أَوْ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْآخَرُ، وَحَسُنَتْ أَحْوَالُهُمْ، لَمْ تُعَدَّ حَصَانَتُهُمْ، وَلَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُمْ، سَوَاءً قَذَفَهُمْ بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِزِنًا بَعْدَهُ، وَفِيمَا بَعْدَهُ احْتِمَالٌ. وَلَوْ جَرَتْ صُورَةُ الزِّنَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، لَمْ تَسْقُطْ حَصَانَتُهُ، فَمَنْ قَذَفَهُ بَعْدَ الْكَمَالِ، حُدَّ، لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ زِنًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ.
قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا وَعَجَزَ عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ، فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَيُقَالُ: وَجْهَانِ. الْمُوَافِقُ لِجَوَابِ الْأَكْثَرِينَ: لَهُ تَحْلِيفُهُ، قَالُوا: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفَ عَلَى نَفْيِهِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قُلْتُ: الْعَجْزُ عَنِ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ مَتَى طُلِبَ يَمِينُهُ، جَاءَ الْخِلَافُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا، وَطَلَبَ وَارِثُهُ الْحَدَّ، وَطَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَهُ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مُوَرِّثَهُ زَنَا، نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ، قَالَ: وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ الْبَحْثُ عَنْ إِحْصَانِ الْمَقْذُوفِ لِيُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ، كَمَا عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ؟ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: نَعَمْ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: لَا، لِأَنَّ الْقَاذِفَ عَاصٍ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بِظَاهِرِ الْإِحْصَانِ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ.
فَصْلٌ
حَدُّ الْقَذْفِ وَتَعْزِيرُهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ، يُوَرَّثُ عَنْهُ، وَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ. وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute