فَإِنْ قُلْنَا: أَمْرُهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، فَلَا ضَمَانَ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِكْرَاهٌ، فَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ، أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي نَظَائِرِهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ خَاصَّةً، فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
فَصْلٌ
فِيمَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ.
الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لَا يُبِيحُهُ، بَلْ يَأْثَمُ بِالِاتِّفَاقِ إِذَا قَتَلَ، وَكَذَا لَا يُبَاحُ الزِّنَى بِالْإِكْرَاهِ، وَيُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ، وَالْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ، وَيُبَاحُ أَيْضًا كَلِمَةُ الْكُفْرِ، وَفِي وُجُوبِ التَّلَفُّظِ بِهِمَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ حِفْظًا لِنَفْسِهِ، كَمَا يَجِبُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ.
وَالثَّانِي - وَهُوَ الصَّحِيحُ: لَا يَجِبُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى الدِّينِ، وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، فَعَلَى هَذَا: الْأَفْضَلُ أَنْ يَثْبُتَ وَلَا يَتَلَفَّظَ، وَإِنْ قُتِلَ.
وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ النِّكَايَةُ فِي الْعَدُوِّ، أَوِ الْقِيَامُ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَلَفَّظَ، وَإِلَّا، فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ، وَلَا يَجِبُ شُرْبُ الْخَمْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهُ فِي الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا يَكَادُ يَجِيءُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى إِتْلَافِ الْمَالِ.
ثُمَّ إِذَا أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِالْإِكْرَاهِ، فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْمُكْرِهِ الْآمِرِ بِالضَّمَانِ، وَفِي مُطَالَبَةِ الْمَأْمُورِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يُطَالَبُ، لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ مُبَاحٌ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ، وَأَصَحُّهُمَا: يُطَالَبُ، لَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَغْرُومِ عَلَى الْآمِرِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ: يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، كَالشَّرِيكَيْنِ، وَالْقَوْلُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ مُكْرَهًا، كَالْقَوْلِ فِي ضَمَانِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute