الْحَلِفُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَكَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إِذَا عَادَ، هَكَذَا أَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمُقْتَضَاهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ التَّصْرِيحِ بِالنُّكُولِ، وَبَيْنَ السُّكُوتِ حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْيَمِينِ فِي الْحَالَيْنِ إِلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ، أَوْ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَفِي التَّصْرِيحِ احْتِمَالٌ، وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ الْعَوْدَ إِلَى الْحَلِفِ، فَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُدَّعِي، فَإِنْ رَضِيَ، فَلَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعَدُوهُمَا، فَلَوْ رَضِيَ بِأَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَلَمْ يَحْلِفْ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إِلَى يَمِينِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
نَقَلَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: أَتَحْلِفُ أَنْتَ؟ كَقَوْلِهِ: احْلِفْ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْحَلِفِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ.
فَصْلٌ
الْمُدَّعِي إِذَا رُدِّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ قَدْ يَحْلِفُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى، وَهَلْ يَمِينُهُ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ، أَمْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ مَا حَلَفَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ قُلْنَا: يَمِينُهُ كَالْبَيِّنَةِ، سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ، فَلَا، لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute