يَعْرِضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعَ، وَفَسَّرَ الْعَرْضَ بِأَنْ يَقُولَ: قُلْ وَاللَّهِ، وَالِامْتِنَاعُ بِأَنْ يَقُولَ: لَا أَحْلِفُ، أَوْ أَنَا نَاكِلٌ، قَالَ الْإِمَامُ: قَوْلُهُ: قُلْ: وَاللَّهِ لَيْسَ أَمْرًا جَازِمًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بَيَانُ وَقْتِ الْيَمِينِ الْمُعْتَمَدِ بِهَا عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَوْ قَالَ: أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَقَالَ: لَا، فَلَيْسَ بِنُكُولٍ، وَلَوْ بَدَرَ حِينَ سَمِعَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَحَلَفَ، لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْجَازٌ لَا اسْتِحْلَافٌ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: احْلِفْ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَيْسَ بِنُكُولٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ: نُكُولٌ وَهُوَ أَوْضَحُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: قُلْ: بِاللَّهِ، وَقَوْلِهِ: احْلِفْ بِاللَّهِ، وَلَوِ اسْتُحْلِفَ فَلَمْ يَحْلِفْ، وَلَا تَلَفَّظَ بِأَنَّهُ نَاكِلٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، فَسُكُوتُهُ نُكُولٌ، كَمَا أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْجَوَابِ فِي الِابْتِدَاءِ يُجْعَلُ كَالْإِنْكَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إِنْ صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، لَمْ يُشْتَرَطْ حُكْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، وَإِنْ سَكَتَ حَكَمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْيَمِينِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: حَكَمْتُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَاكِلٌ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ نَاكِلٌ بِالسُّكُوتِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ السُّكُوتِ لِدَهْشَةٍ وَغَبَاوَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إِذَا سَكَتَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَا إِذَا صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، وَلَوْ تَفَرَّسَ فِيهِ سَلَامَةَ جَانِبٍ، شَرَحَ لَهُ حُكْمَ النُّكُولِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَحْ، وَحَكَمَ بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَمْ أَعْرِفِ النُّكُولَ، فَفِي نُفُوذِ الْحُكْمِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ أَصَحُّهُمَا النُّفُوذُ. وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَسْأَلَ وَيَعْرِفَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِلَ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ أَنْ يَعُودَ فَيَحْلِفَ، نُظِرَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ نَاكِلٌ، أَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَلِفُ، وَإِنْ أَقْبَلْ عَلَيْهِ لِيُحَلِّفَهُ، وَلَمْ يُقْبِلْ بَعْدَ مَا حَلَفَ، فَهَلْ هُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: احْلِفْ؟ وَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute