بَابُ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَصِفَةُ الْقَبْضِ.
لِلْقَبْضِ حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا: انْتِقَالُ الضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي. فَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَلَفَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ. فَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ ضَمَانِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَهَلْ يَبْرَأُ حَتَّى لَوْ تَلَفَ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَبْرَأُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْعَقْدِ. ثُمَّ إِذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ، كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ. حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا، كَانَتْ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى الْبَائِعِ.
وَهَلْ نَقُولُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَيْهِ قُبَيْلَ الْهَلَاكِ، أَمْ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ؟ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ. أَصَحُّهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُهُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْحَدَّادِ: لَا يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الزَّوَائِدِ الْحَادِثَةِ بِيَدِ الْبَائِعِ مِنَ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالْكَسْبِ وَغَيْرِهَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ، وَذَكَرْنَا نَظِيرَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَطَرَّدَهُمَا جَمَاعَةٌ فِي الْإِقَالَةِ إِذَا جَعَلْنَاهَا فَسْخًا، وَخَرَّجُوا عَلَيْهِمَا الزَّوَائِدَ. وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ: أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَتَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَلَوْ هَلَكَتْ وَالْأَصْلُ بَاقٍ بِحَالِهِ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَفِي مَعْنَى الزَّوَائِدِ، الرِّكَازُ الَّذِي يَجِدُهُ الْعَبْدُ وَمَا وُهِبَ لَهُ فَقَبَضَهُ وَقَبِلَهُ، وَمَا أُوصِي لَه [بِهِ] فَقَبِلَهُ، هَذَا حُكْمُ التَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ.
أَمَّا إِذَا تَلَفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: أَنْ يُتْلِفَهُ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ قَبْضٌ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، يَبْرَأُ الْغَاصِبُ وَيَصِيرُ الْمَالِكُ مُسْتَرِدًّا بِالْإِتْلَافِ. وَفِي وَجْهٍ: إِتْلَافُهُ لَيْسَ بِقَبْضٍ، لَكِنْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute