إِنْ كَانَ بِصِيغَةِ عَقْدٍ، كَأَوْدَعْتُكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِنْ قَالَ: احْفَظْهُ، أَوْ هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ. وَلَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَقَدْ أَوْدَعْتُكَ هَذَا، فَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ بِالْجَوَازِ، وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ.
وَلَوْ جَاءَ بِمَالِهِ، وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ، لَمْ يَحْصُلِ الْإِيدَاعُ. فَلَوْ قَبَضَهُ الْمَوْضُوعُ عِنْدَهُ، ضَمِنَهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ قَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: أُرِيدُ أَنْ أُودِعَكَ، ثُمَّ جَاءَ بِالْمَالِ، فَإِنْ قَالَ: هَذَا وَدِيعَتِي عِنْدَكَ، أَوِ احْفَظْهُ، وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ الْمَوْضُوعُ عِنْدَهُ، تَمَّتِ الْوَدِيعَةُ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْقَبُولَ لَفْظًا. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ، لَمْ يَكُنْ وَدِيعَةً، حَتَّى لَوْ ذَهَبَ وَتَرَكَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَأْثَمُ إِنْ كَانَ ذَهَابُهُ بَعْدَمَا غَابَ الْمَالِكُ. وَإِنْ قَالَ: قَبِلْتُ، أَوْ ضَعْهُ، فَوَضَعَهُ، كَانَ إِيدَاعًا، كَمَا لَوْ قَبَضَهُ بِيَدِهِ، كَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا يَكُونُ وَدِيعَةً مَا لَمْ يَقْبِضْهُ.
وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُوضَعُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: ضَعْهُ، دَخَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، لِحُصُولِهِ فِي الْمُوضَعِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، بِأَنْ قَالَ: انْظُرْ إِلَى مَتَاعِي فِي دُكَّانِي، فَقَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَكُنْ وَدِيعَةً. وَعَلَى الْأَوَّلِ، لَوْ ذَهَبَ الْمَوْضُوعُ عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا بَعْدُ، فَهُوَ رَدٌّ لِلْوَدِيعَةِ. وَإِنْ غَابَ الْمَالِكُ، ضَمِنَهُ.
فَصْلٌ
لَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. فَلَوْ أَوْدَعَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ مَالًا، لَمْ يَقْبَلْهُ، فَإِنْ قَبِلَهُ، ضَمِنَهُ، وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى النَّاظِرِ فِي أَمْرِهِ. لَكِنْ لَوْ خَافَ هَلَاكَهُ فِي يَدِهِ فَأَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ صَوْنًا لَهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ إِلَّا عِنْدَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَلَوْ أَوْدَعَ مَالًا عِنْدَ صَبِيٍّ، فَتَلِفَ، لَمْ يَضْمَنْهُ، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عِنْدَ بَالِغٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْفَاظٍ فَتَلِفَ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ الصَّبِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute