فَصْلٌ
اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ عَيْبِ الْمَرْهُونِ وَحُدُوثِهِ، فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا، ثُمَّ بَعْدَ قَبْضِهِ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْتُهُ وَقَدْ تَخَمَّرَ، فَلِيَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ صَارَ عِنْدَكَ خَمْرًا، فَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ لُزُومِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضٍ صَحِيحٍ. وَلَوْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ كَانَ خَمْرًا يَوْمَ الْعَقْدِ، وَكَانَ شَرْطُهُ فِي الْبَيْعِ شَرْطَ رَهْنٍ فَاسِدٍ، فَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ قَطْعًا. وَلَوْ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَشْرُوطَ رَهْنُهُ مُلْتَفًّا بِثَوْبٍ، ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا، فَقَالَ الرَّاهِنُ: مَاتَ عِنْدَكَ، فَقَالَ: بَلْ أَعْطَيْتَنِيهِ مَيِّتًا، فَأَيُّهُمَا يُقْبَلُ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَلَوِ اشْتَرَى مَائِعًا، وَجَاءَ بِظَرْفٍ فَصَبَّهُ الْبَائِعُ فِيهِ، فَوُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ، فَقَالَ الْبَائِعُ: كَانَتْ فِي ظَرْفِكَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبَضْتُهُ وَفِيهِ الْفَأْرَةُ، فَفِيمَنْ يُصَدَّقُ؟ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ زَعَمَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهَا فِيهِ حَالَ الْبَيْعِ، فَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي جَرَيَانِ الْعَقْدِ صَحِيحًا، أَمْ فَاسِدًا؟ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.
لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقُولَ: أَحْضِرِ الْمَرْهُونَ وَأَنَا أَقْضِي دَيْنَكَ مِنْ مَالِي،
[بَلْ] لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْضَارُ بَعْدَ قَضَائِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّمْكِينُ كَالْمُودِعِ. وَالْإِحْضَارُ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَلَوِ احْتِيجَ إِلَى بَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ، فَمُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ عَلَى الرَّاهِنِ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْمُعَايَاةِ» : إِذَا رَهَنَ شَيْئًا وَلَمْ يَشْرُطْ جَعْلَهُ فِي يَدِ عَدْلٍ، أَوِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ جَارِيَةً، صَحَّ قَطْعًا، وَكَذَا غَيْرُهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَغَيْرُهَا قَدْ يَكُونُ، فَيَتَنَازَعَانِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute