هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا، أَمَّا إِذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ بِعَيْنِهِ، فَلَوْ عَفَا عَنْهُ عَلَى الدِّيَةِ، وَجَبَتْ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ، فَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ عَفَا، أَوْ صَالَحَ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا، وَقَبِلَ الْجَانِي، ثَبَتَ الْمَالُ، وَسَقَطَ الْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْجَانِي، لَمْ يَثْبُتِ الْمَالُ قَطْعًا، وَلَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ الْقِصَاصُ، فَهَلْ تَثْبُتُ الدِّيَةُ؟ قَالَ الْبَغَوِيُّ: هُوَ كَمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا، وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: هَذِهِ مُعْضِلَةٌ أَسَهَرَتِ الْجِلَّةَ، قَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كَعَفْوِهِ عَنِ الْقَوَدِ وَنِصْفِ الدِّيَةِ، فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ، وَنِصْفُ الدِّيَةِ.
وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ، لَمْ تَجِبْ دِيَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَالْعَفْوُ إِسْقَاطٌ ثَابِتٌ لَا إِثْبَاتُ مَعْدُومٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ بِنَفْسِ الْعَفْوِ، فَاخْتَارَهَا بَعْدَ الْعَفْوِ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: تَثْبُتُ الدِّيَةُ، وَيَكُونُ اخْتِيَارُهَا بَعْدَ الْعَفْوِ كَالْعَفْوِ عَلَيْهَا، وَحُكِيَ عَنِ النَّصِّ أَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ يَكُونُ عَقِبَ الْعَفْوِ، وَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّرَاخِي، وَلَوْ عَفَا عَنِ الدِّيَةِ، فَهُوَ لَغْوٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنِ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ، فَلَوْ عَفَا مُطْلَقًا، عَادَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ.
فَصْلٌ
لَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ مَسْلُوبَ الْعِبَارَةِ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَعَفْوُهُ لَغْوٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحِقَ غَيْرَهُ، كَالْحَجْرِ بِالْفَلَسِ.
فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، سَقَطَ، وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُ الْقَتْلِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَنِ الْمَالِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ الْمَالُ بِالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، دُفِعَ إِلَى غُرَمَائِهِ، وَلَا يُكَلِّفُهُ تَعْجِيلَ الْقِصَاصِ، أَوِ الْعَفْوَ لِيَصْرِفَ الْمَالَ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ قُلْنَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute