مَا إِذَا أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ تَعْيِينٍ عَنْ إِجَارَةِ الذِّمَّةِ، هَلْ يَتَقَدَّمُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَنْفَعَتِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفْلِيسِ. وَالْأَصَحُّ: التَّقَدُّمُ. وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْ حَقِّهِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَ دَابَّةً، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، جَازَ، لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقٍّ فِي عَيْنٍ، هَكَذَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ يُفِيدُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْعَيْنِ، فَيَمْتَنِعُ الْإِبْدَالُ دُونَ رِضَاهُ.
فَصْلٌ
نَذْكُرُ فِيهِ قَوْلًا جَمْلِيًّا فِي إِبْدَالِ مُتَعَلِّقَاتِ الْإِجَارَةِ
الْمَنْفَعَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الْعَقْدِ، لَهَا مُسْتَوْفٍ، مُسْتَوْفًى مِنْهُ، وَمُسْتَوْفًى بِهِ، فَأَمَّا الْمُسْتَوْفِي وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الِاسْتِيفَاءِ، فَلَهُ أَنْ يُبَدِّلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، فَلَهُ أَنْ يُرْكِبَهَا مِثْلَ نَفْسِهِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالضَّخَامَةِ وَالنَّحَافَةِ وَمَنْ هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ يُلْبِسَ الثَّوْبَ مِثْلَهُ، وَيُسْكِنَ الدَّارَ، دُونَ الْقَصَّارِ وَالْحَدَّادِ، لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ. وَكَذَا إِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِحَمْلِ الْقُطْنِ، فَلَهُ حَمْلُ الصُّوفِ وَالْوَبَرِ. أَوْ لِحَمْلِ الْحَدِيدِ، فَلَهُ حَمْلُ النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَمْلِ، فَأَرَادَ إِرْكَابَ مَنْ لَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَحْمُولِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ الصَّنْعَةِ. فَإِنْ قَالُوا: لَا يَتَفَاوَتُ الضَّرَرُ، جَازَ، وَإِنْ قَالُوا: يَتَفَاوَتُ، لَمْ يَجُزْ. وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ فَأَرَادَ الْحَمْلَ. وَالْأَصَحُّ: الْمَنْعُ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي «التَّهْذِيبِ» . وَأَمَّا الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ، فَهُوَ الدَّارُ وَالدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَالْأَجِيرُ الْمُعَيَّنُ، وَلَا يَجُوزُ إِبْدَالُهُ كَمَا لَا يُبَدَّلُ الْمَبِيعُ. وَأَمَّا الْمُسْتَوْفَى بِهِ، فَهُوَ كَالثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ لِلْخِيَاطَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ لِلْإِرْضَاعِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالْأَغْنَامِ الْمُعَيَّنَةِ لِلرَّعْيِ. وَفِي إِبْدَالِهِ وَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute