وَلَا نَظَرَ إِلَى الْمَنَافِعِ الْمُتَوَقَّعَةِ بَعْدَ زَوَالِ اسْمِ الطَّبْلِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْصَى بِالطَّبْلِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ: إِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الطَّبْلِ، وَكَانَ لَا يَنْتَفِعُ إِلَّا بِرُضَاضِهِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الرُّضَاضُ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ نَفِيسٍ، كَذَهَبٍ أَوْ عُودٍ، فَتَنْزِلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِرُضَاضِهِ إِذَا كُسِرَ، وَالْوَصِيَّةُ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَبَقَ فِي بَيْعِ الْمَلَاهِي الَّتِي يُعَدُّ رُضَاضُهَا مَالًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَتْ مُتَّخَذَةً مِنْ شَيْءٍ نَفِيسٍ صَحَّ، وَإِلَّا، فَلَا. فَإِنِ اكْتَفَيْنَا بِمَالِيَّةِ الرُّضَاضِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِذًا مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَجْهَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَكَمَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَكَمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ صِحَّةَ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ شَيْئًا نَفِيسًا، فَكَذَا صَحَّحَ الْوَصِيَّةَ فِيهِ.
فَصْلٌ
سَبَقَ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثُلُثِ الْمَالِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْئًا. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ اسْتَوْفَى الثُّلُثَ، وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ النَّقْصُ مِنْهُ. وَبِأَيِّ يَوْمٍ يُعْتَبَرُ الْمَالُ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِمَالِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: بِيَوْمِ الْمَوْتِ، إِذْ يَمْلِكُ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ زَادَ مَالُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، تَعَلَّقَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ. وَكَذَا لَوْ هَلَكَ ثُمَّ كَسَبَ مَالًا، تَعَلَّقَتْ بِهِ. وَلَوْ أَوْصَى بِعَشَرَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ، ثُمَّ كَسَبَهُ، تَعَلَّقَتْ بِهِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، كُلُّ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ فِي اعْتِبَارِ الْقَدْرِ بِيَوْمِ الْمَوْتِ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِمَنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا أَصْلًا ثُمَّ مَلَكَهُ.
ثُمَّ الثُّلُثُ الَّذِي تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ هُوَ ثُلُثُ الْفَاضِلِ عَنِ الدُّيُونِ. فَلَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute