فَرْعٌ
إِذَا لُقِّنَ كَلِمَةَ الطَّلَاقِ بِلُغَةٍ لَا يَعْرِفُهَا، فَقَالَهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ أَهْلِ ذَلِكَ اللِّسَانِ اخْتِلَاطٌ. فَإِنْ كَانَ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْحُكْمِ وَيُدَيَّنُ بَاطِنًا. وَإِذَا لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ فَقَالَ: أَرَدْتُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ مَعْنَاهَا قَطْعُ النِّكَاحِ، وَلَكِنْ نَوَيْتُ بِهَا الطَّلَاقَ، وَقَصَدْتُ قَطْعَ النِّكَاحِ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، كَمَا لَوْ خَاطَبَهَا بِكَلِمَةٍ لَا مَعْنًى لَهَا، وَقَالَ: أَرَدْتُ الطَّلَاقَ.
السَّبَبُ الثَّانِي: الْإِكْرَاهُ. التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا بِالْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ الرِّدَّةُ وَالْبَيْعُ، وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ وَغَيْرُهَا، وَأَمَّا مَا حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَهُوَ صَحِيحٌ، فَيَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ إِسْلَامَ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ بِحَقٍّ، وَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُ الذِّمِّيِّ مُكْرَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُؤْلِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إِذَا أَطْلَقَ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي، نَفَذَ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ إِكْرَاهٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: هَذَا فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا إِذَا أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثِ طَلَقَاتٍ فَتَلَفَّظَ بِهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَغَتِ الزِّيَادَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ، وَثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَفِي امْتِنَاعِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ بِالْإِكْرَاهِ خِلَافٌ فِي مَوْضِعِهِ.
فَصْلٌ
إِنَّمَا يَنْدَفِعُ الطَّلَاقُ بِالْإِكْرَاهِ، إِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ. فَإِنْ ظَهَرَ بِأَنْ خَالَفَ الْمُكْرَهَ، وَأَتَى بِغَيْرِ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ، حُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute