للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» أَنَّ بَعْضَ الْوُعَّاظِ طَلَبَ مِنَ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ: طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ فِيهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَأَفْتَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ. قَالَ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُطَلَّقَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: طَلَّقْتُكُمْ لَفْظٌ عَامٌّ وَهُوَ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنِّيَّةِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ، فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الْقَوْمِ، كَانَ مَقْصُودُهُ غَيْرَهَا.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ، كِلَاهُمَا عَجَبٌ مِنْهُمَا، أَمَّا الْعَجَبُ مِنَ الرَّافِعِيِّ، فَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ السَّلَامِ عَلَى زَيْدٍ، لِأَنَّهُ هُنَاكَ عَلِمَ بِهِ وَاسْتَثْنَاهُ، وَهُنَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا، وَاللَّفْظُ يَقْتَضِي الْجَمِيعَ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهَا. وَأَمَّا الْعَجَبُ مِنَ الْإِمَامِ، فَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الرُّكْنِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَصْدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَى الطَّلَاقِ، وَلَا يَكْفِي قَصْدُ لَفْظِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْوَاعِظَ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ، وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا أَوْ جُمْهُورِهِمْ، أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ إِلَّا بِدَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ: طَلَّقْتُكُمْ خِطَابُ رِجَالٍ، فَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُطَلَّقَ لِمَا ذَكَرْتُهُ، لَا لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، فَهَذَا مَا تَقْتَضِيهِ الْأَدِلَّةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً، أَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ فِي صِغَرِهِ، أَوْ وَكِيلُهُ فِي كِبْرِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي فَقَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، أَوْ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ، طُلِّقَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ. وَفِي نُفُوذِهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنِ الْمَجْهُولِ. إِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، لَمْ تُطَلَّقْ بَاطِنًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>