كِتَابُ الصُّلْحِ
فَسَّرَهُ الْأَئِمَّةُ بِالْعَقْدِ الَّذِي تَنْقَطِعُ بِهِ خُصُومَةُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ، بَلْ أَرَادُوا ضَرْبًا مِنَ التَّعْرِيفِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ سَبْقِ الْمُخَاصَمَةِ غَالِبًا، ثُمَّ أَدْخَلَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْبَابِ، التَّزَاحُمَ فِي الْمُشْتَرَكِ كَالشَّوَارِعِ وَنَحْوِهَا. وَفِي الْكِتَابِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ:
الْأَوَّلُ: فِي أَحْكَامِ الصُّلْحِ. وَقَدْ يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَأَجْنَبِيٍّ. وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَجْرِي عَلَى الْإِقْرَارِ وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَنِ الْعَيْنِ. وَهُوَ صِنْفَانِ:
أَحَدُهُمَا: صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، بِأَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا، وَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ، فَهَذَا الصِّنْفُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ. وَتَتَعَلَّقُ بِهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالشُّفْعَةِ، وَالْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ إِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ مُتَّفِقَيْنِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا، وَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ إِنْ كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا، وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَيَفْسُدُ بِالْغَرَرِ وَالْجَهْلِ، وَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَفَسَادِ الْبَيْعِ. وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مَنْفَعَةِ دَارٍ، أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ، وَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ إِجَارَةً، فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْإِجَارَةِ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: صُلْحُ الْحَطِيطَةِ، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، كَمَنْ صَالَحَ مِنَ الدَّارِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى نِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا، أَوْ مِنَ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَهَذَا هِبَةُ بَعْضِ الْمُدَّعَى لِمَنْ فِي يَدِهِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْقَبُولُ وَمُضِيُّ مُدَّةِ إِمْكَانِ الْقَبْضِ. وَفِي اشْتِرَاطِ إِذْنٍ جَدِيدٍ فِي قَبْضِهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. وَيَصِحُّ بِلَفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute