الْمُكَلَّفِ، كَمَا لَا يَأْخُذُ مَالَهُ الْمَغْصُوبَ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مَا يُنَازَعُ فِيهِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُهُ لَهُ، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ.
وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ قَالَ: لَا يُحْبَسُ الْقَاتِلُ، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ زَائِدَةٌ، وَحَمَلَ الْحَبْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى التَّوَقُّفِ لِلِانْتِظَارِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَحَبْسُهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلِ الْقَتْلِ، وَلَا طَرِيقَ إِلَى حِفْظِ الْحَقِّ سِوَاهُ.
فَصْلٌ
إِذَا كَانَ الْقِصَاصُ لِجَمَاعَةٍ حُضُورٍ كَامِلِينَ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا، وَلَكِنْ يَتَّفِقُونَ عَلَى وَاحِدٍ يَسْتَوْفِيهِ، أَوْ يُوَكِّلُونَ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَقْرَعَ.
فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، تَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ، فَلَوْ أَخَّرُوا لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَنَازَعُوا فِي التَّزْوِيجِ، فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الْبَاقِينَ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِسْقَاطِ وَلِجَمِيعِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ تَأْخِيرُهُ كَإِسْقَاطِهِ.
وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنِ الْقَفَّالِ تَفْرِيعًا أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ بِخِلَافِ الْقُرْعَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَبَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَحَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ إِلَى إِذْنِ الْبَاقِينَ، لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ، وَإِلَّا فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى وَاحِدٍ مُغْنٍ عَنِ الْقُرْعَةِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ مَنَعَ بَعْضُهُمْ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ الْعَاجِزُ عَنِ الِاسْتِيفَاءِ، كَالشَّيْخِ وَالْمَرْأَةِ؟ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ، وَالْقُرْعَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْتَوِينَ فِي الْأَهْلِيَّةِ.
وَالثَّانِي: نَعَمْ، فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُ، وَكَّلَ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَدْخُلُ، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِقَادِرٍ، فَعَجَزَ، أُعِيدَتْ بَيْنَ الْبَاقِينَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَدْخُلُ، لَا تُعَادُ، لَكِنْ يَسْتَنِيبُ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute