التَّرَاضِي صَرِيحًا. فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، وَلَكِنْ جَرَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَحْرُمُ. فَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَيْءٌ، بَلْ سَكَتَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالرَّدِّ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَيَحَرُمُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ. فَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: افْسَخْ لِأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ أَرْخَصَ. وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَائِهِ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ: افْسَخْ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ. وَشَرَطَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ، أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا غَبْنَا مُفْرِطًا. فَإِنْ كَانَ، فَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ وَيَبِيعَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ النَّصِيحَةِ.
قُلْتُ: هَذَا الشَّرْطُ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي بَيْعِهِ، ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ عَلَى الصَّحِيحِ.
فَصْلٌ
يَحْرُمُ النَّجْشُ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ وَهُوَ غَيْرُ رَاغِبٍ فِيهَا لِيَغُرَّ غَيْرَهَ. فَإِنِ اغْتَرَّ بِهِ إِنْسَانٌ فَاشْتَرَاهَا، صَحَّ الْبَيْعُ، ثُمَّ لَا خِيَارَ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّاجِشُ بِمُوَاطَأَةٍ مِنَ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ، فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أَعْطَيْتُ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ كَذَا، فَصَدَّقَهُ وَاشْتَرَاهُ، فَبَانَ خِلَافُهُ، قَالَ ابْنَ الصَّبَّاغِ: فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، الْوَجْهَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِتَعْصِيَةِ النَّاجِشِ، وَشَرَطَ فِي تَعْصِيَةِ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ، وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، مَعْلُومٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute