فَرْعٌ
الْفِطْرَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْغَيْرِ، هَلْ تُلَاقِي الْمُؤَدَّى عَنْهُ، ثُمَّ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمُؤَدِّي، أَمْ تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً؟ فِيهِ خِلَافٌ.
يُقَالُ: وَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.
ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ طَرَدُوا الْخِلَافَ فِي كُلِّ مُؤَدٍّ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْقَرِيبِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَقَالَ طَوَائِفُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: هَذَا الْخِلَافُ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ فَقَطْ. أَمَّا فِطْرَةُ الْمَمْلُوكِ وَالْقَرِيبِ، فَتَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً قَطْعًا، لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، لَا يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ لِعَجْزِهِ.
ثُمَّ حَيْثُ فُرِضَ الْخِلَافُ وَقُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ، فَهُوَ كَالضَّمَانِ، أَمْ كَالْحَوَالَةِ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي «الْمَسَائِلِ الْجُرْجَانِيَّاتِ» فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا، وَالزَّوْجَةُ أَمَةً، أَوْ حُرَّةً مُوسِرَةً، فَطَرِيقَانِ.
أَصَحُّهُمَا: فِيهِمَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. إِنْ قُلْنَا: الْوُجُوبُ يُلَاقِي الْمُؤَدَّى عَنْهُ أَوَّلًا، وَجَبَتِ الْفِطْرَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَالْفَرْقُ، كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسِهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
قُلْتُ: الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا إِذَا نَشَزَتْ، فَتَسْقُطُ فِطْرَتُهَا عَنِ الزَّوْجِ قَطْعًا.
قَالَ الْإِمَامُ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِإِيجَابِ الْفِطْرَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ، لِأَنَّهَا بِالنُّشُوزِ خَرَجَتْ عَنْ إِمْكَانِ التَّحَمُّلِ. وَلَوْ كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ مُوسِرًا، فَفِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا، وَبَيَانُهَا فِي بَابِهَا.
وَأَمَّا خَادِمُ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً، لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ إِمَاءِ الزَّوْجِ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ إِمَاءِ الزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، لَزِمَهَا فِطْرَتُهَا، لِأَنَّهُ يُمَوِّنُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ عِنْدِي: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute