فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا صَحَّحْنَاهُمَا، وَأَلْغَيْنَا الشَّرْطَ، تَصَرَّفَ الْمُعَمَّرُ فِي الْمَالِ كَيْفَ شَاءَ. وَإِنْ أَبْطَلْنَا الْعَقْدَ أَوْ جَعَلْنَاهُ عَارِيَّةً، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ، فَبَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ احْتِمَالَيْنِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ: لَا يُنَفَّذُ الْبَيْعُ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ التَّأْبِيدُ، وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا مُؤَقَّتًا، فَكَيْفَ يَمُلِّكُ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ؟ وَالثَّانِي: يُنَفَّذُ كَبَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ، وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِلْكٌ فِي الْحَالِ، وَالرُّجُوعَ أَمْرٌ يَحْدُثُ، وَشَبَّهَهُ بِرُجُوعِ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. فَإِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهُ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي تَرِكَتِهِ بِالْغُرْمِ رُجُوعَ الزَّوْجِ إِذَا طَلَّقَ بَعْدَ خُرُوجِ الصَّدَاقِ عَنْ مِلْكِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَفِي رُجُوعِ الْمَالِ إِلَى وَرَثَةِ الْوَاهِبِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِبْعَادٌ، لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ مِلْكٍ لَهُمْ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُورِثُ، لَكِنَّهُ كَمَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ تَرِكَةٌ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ الْوَصَايَا.
فَرْعٌ
قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لَكَ عُمْرِي أَوْ حَيَاتِي، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ، أَوْ حَيَاتَكَ، لِشُمُولِ اسْمِ الْعُمْرَى. وَأَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانُ، لِخُرُوجِهِ عَنِ اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَأْقِيتِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمُوتُ الْوَاهِبُ أَوَّلًا، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ. وَأُجْرِيَ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَ فُلَانٍ. وَخَرَجَ مِنْ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهٌ: أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْأَوْقَاتِ، كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ، أَوْ وَقَفْتُهَا سَنَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute