يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ بَانَ الْخَطَأُ. هَذَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُبَادِرُ إِلَى تَدَارُكِهِ إِذَا بَانَ لَهُ الْخَطَأُ، وَمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ سَبَقَ حُكْمُ ضَمَانِهِ.
الْحَالُ الثَّانِي: إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ، وَأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَلْيَحْكُمْ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا، وَلَا يَنْقُضُ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا، بَلْ يُمْضِيهِ، ثُمَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لَا، فَلَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَّبِعُ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ، وَلَهُ تَتَبُّعُ قَضَاءِ نَفْسِهِ لِيَنْقُضَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَنْصُوبُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَهُ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، نَقَضَ أَحْكَامَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا، لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ، هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْجُمَلِيُّ فِيمَا يُنْقَضُ وَلَا يُنْقَضُ.
ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي صُوَرٍ، مِنْهَا لَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، فَوَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا وَظَاهِرُ النَّصِّ، نَقْضُهُ، لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ حَيًّا فِي الْمَالِ، فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَلَا يُجْعَلُ مَيِّتًا فِي النِّكَاحِ.
وَالثَّانِي: لَا يُنْقَضُ كَغَيْرِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِيَّاتِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَرُبَ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي نَقْضِ حُكْمِ مَنْ قَضَى بِحُصُولِ الْفُرْقَةِ فِي اللِّعَانِ بِأَكْثَرِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَمَّنْ نَكَحَ أُمَّهُ وَوَطِئَهَا، وَمِنْهَا حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بِبُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالْعَرَايَا بِالتَّقْيِيدِ الَّذِي يُجَوِّزُهُ، وَفِي ذَكَاةِ الْجَنِينِ، وَمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَصِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ بِصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَثُبُوتِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَبِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَرَدِّ الزَّوَائِدِ مَعَ الْأَصْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَفِي نَقْضِ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute