الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ الِاجْتِهَادِيَّةُ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ فِيهَا طَرِيقَانِ أَشْهَرُهُمَا قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْمُحِقُّ فِيهَا وَاحِدٌ، وَالْمُجْتَهِدُ مَأْمُورٌ بِإِصَابَتِهِ، وَالذَّاهِبُ إِلَى غَيْرِهِ مُخْطِئٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، فَالْمُخْطِئُ مَغْدُورٌ غَيْرُ آثِمٍ، بَلْ مَأْجُورٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي «اللُّمَعِ» قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَأْثَمُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَفِيمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَحَدُهُمَا - وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ -: يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ الصَّوَابَ، وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إِلَى الْخَطَأِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكِ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَالثَّانِي يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الِاجْتِهَادِ جَمِيعًا. وَإِذَا قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَهَلْ نَقُولُ: الْحُكْمُ وَالْحَقُّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ظَنَّهُ، أَمِ الْحَقُّ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَشْبَهُ مَطْلُوبٍ إِلَّا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُكَلَّفٌ بِمَا ظَنَّهُ لَا بِإِصَابَةِ الْأَشْبَهِ؟ وَجْهَانِ، اخْتَارَ الْغَزَالِيُّ الْأَوَّلَ، وَبِالثَّانِي قَطَعَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، وَحَكَوْهُ عَنِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالدَّارِكِيِّ.
فَرْعٌ
مَتَى حَكَمَ الْقَاضِي بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فِي حُكْمِهِ، فَلَهُ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ ظَنًّا مُحْكَمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، أَوْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ.
وَهَلْ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَعْرِيفُ الْخَصْمَيْنِ صُورَةَ الْحَالِ لِيَتَرَافَعَا إِلَيْهِ، فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ؟ وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَلْزَمُهُ إِنْ عَلِمَا أَنَّهُ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ، فَإِنْ تَرَافَعَا إِلَيْهِ، نُقِضَ، وَقَالَ سَائِرُ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُهُ وَإِنْ عَلِمَا أَنَّهُ بَانَ [لَهُ] الْخَطَأُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُمَا قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute