مَا رَآهُ وَجْهًا، وَلَوْ كَانَتِ الرُّفْقَةُ يَتَأَتَّى مِنْهُمْ دَفْعُ الْقَاصِدِينَ وَمُقَاوَمَتُهُمْ، فَاسْتَسْلَمُوا حَتَّى قُتِلُوا وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ، فَالْقَاصِدُونَ لَهُمْ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ شَوْكَتِهِمْ، بَلِ الرُّفْقَةُ ضَيَّعُوا، هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَتِ الشَّوْكَةُ مُجَرَّدَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، بَلْ تَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى اتِّفَاقِ كَلِمَةٍ وَمَتْبُوعٍ مُطَاعٍ وَعَزِيمَةٍ عَلَى الْقِتَالِ، وَالْقَاصِدُونَ لِلرُّفْقَةِ هَكَذَا يَكُونُونَ فِي الْغَالِبِ، وَالرُّفْقَةُ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ، وَلَا يَضْبُطُهُمْ مُطَاعٌ، وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَخُلُوُّهُمْ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يُوقِعُهُمْ فِي التَّخَاذُلِ لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْهُمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْعَلُوا مُضَيِّعِينَ، وَلَا يَخْرُجُ قَاصِدُوهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ قُطَّاعًا، وَلَوْ أَنَّ الرُّفْقَةَ قَاتَلُوهُمْ، وَنَالَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْأُخْرَى، فَهَلْ هُمْ قُطَّاعٌ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ، وَأَمَّا الْبُعْدُ عَنِ الْغَوْثِ، فَإِنَّمَا اشْتُرِطَ لِيُمْكِنَهُمُ الِاسْتِيلَاءُ وَالْقَهْرُ مُجَاهَرَةً؛ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ غَالِبًا فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْعِمَارَةِ، وَلَوْ خَرَجَ جَمَاعَةٌ فِي الْمِصْرِ فَحَارَبُوا، أَوْ أَغَارَ عَسْكَرٌ عَلَى بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ خَرَجَ أَهْلُ أَحَدِ طَرَفَيِ الْبَلَدِ عَلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَكَانَ لَا يَلْحَقُ الْمَقْصُودِينَ غَوْثٌ لَوِ اسْتَغَاثُوا، فَهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُمْ غَوْثٌ، فَهُمْ مُنْتَهِبُونَ لَيْسُوا قُطَّاعًا، وَامْتِنَاعُ لَحَاقِ الْغَوْثِ لِضَعْفِ السُّلْطَانِ أَوْ لِبُعْدِهِ وَبُعْدِ أَعْوَانِهِ، وَقَدْ يَغْلِبُ أَهْلُ الْفَسَادِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا يُقَاوِمُهُمْ أَهْلُ الْعِفَّةِ، وَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِغَاثَةُ، وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِاللَّيْلِ دَارًا وَكَابَرُوا، وَمَنَعُوا أَصْحَابَ الدَّارِ مِنَ الِاسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ سُرَّاقٌ، وَالثَّالِثُ: مُخْتَلِسُونَ.
فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الذُّكُورَةُ، بَلْ لَوِ اجْتَمَعَ نِسْوَةٌ لَهُنَّ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ، فَهُنَّ قَاطِعَاتُ طَرِيقٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا شَهْرُ السِّلَاحِ، بَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute