لَا يَزُولُ الْعَارِضُ الْحَادِثُ، أَمَّا إِذَا تَوَقَّعُوا زَوَالَهُ، فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ؛ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ، فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا.
فَرْعٌ
يُنْظَرُ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَرْشٌ، بِأَنْ ضَرَبَ رَأَسَهُ، أَوْ لَطَمَهُ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ، وَجَبَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، كَالْمُوضِحَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَالْجِرَاحَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكُومَةِ؛ فَقَوْلَانِ:
الْقَدِيمُ: أَنَّهُ يُدْخِلُ الْأَقَلَّ فِي الْأَكْثَرِ، فَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ أَكْثَرَ بِأَنْ أَوْضَحَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ، دَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ؛ بِأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، أَوْ يَدَيْهِ مَعَ بَعْضِ الذِّرَاعِ فَزَالَ عَقْلُهُ، دَخَلَ فِيهِ دِيَةُ الْعَقْلِ.
وَالْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: لَا تَدَاخُلَ، بَلْ يَجِبُ دِيَةُ الْعَقْلِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ؛ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ، وَجَبَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَعَلَى الْقَدِيمِ تَجِبُ دِيَتَانِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَجَبَ دِيَةُ الْعَقْلِ مَعَهَا قَطْعًا، وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مُقَدَّرًا، لَمْ يَدْخُلْ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ قَطْعًا.
أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَ الْعَقْلِ وَنَسَبَهُ إِلَى التَّجَانُنِ، رَاقَبْنَاهُ فِي الْخَلَوَاتِ وَالْغَفَلَاتِ، فَإِنْ لَمْ تَنْتَظِمْ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ، أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ وَلَا نُحَلِّفُهُ، لِأَنَّهُ يَتَجَانَنُ فِي الْجَوَابِ، وَلِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ، وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ وَجَدْنَاهَا مَنْظُومَةً، صَدَقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، وَإِنَّمَا حَلَّفْنَاهُ، لِاحْتِمَالِ صُدُورِهَا مِنْهُ اتِّفَاقًا وَجَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute