عُرِضَ الْوَلَدُ عَلَى الْقَائِفِ، فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقَهُ، تَبِعَهُ الرَّضِيعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أُشْكِلَ، تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَبْلُغَ الْمَوْلُودُ، فَيَنْتَسِبَ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، صَبَرْنَا حَتَّى يَفِيقَ، فَإِذَا انْتَسَبَ، تَبِعَهُ الرَّضِيعُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِانْتِسَابِ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ فِي الِانْتِسَابِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ فَانْتَسَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى هَذَا، وَبَعْضُهُمْ إِلَى هَذَا، اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَبَقِيَ الِاشْتِبَاهُ، فَفِي الرَّضِيعِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ابْنُهُمَا جَمِيعًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ آبَاءٌ مِنَ الرَّضَاعِ بِخِلَافِ النَّسَبِ، وَأَظْهَرُهُمَا: لَا يَكُونُ ابْنَهُمَا، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَكْفِي خَمْسُ رَضَعَاتٍ، أَمْ يَحْتَاجُ إِلَى عَشْرٍ؟ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا الدَّارَكِيُّ، وَذَكَرَ فِي «الْبَسِيطِ» أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى ضَعْفِهِ إِثْبَاتُ أُبُوَّتِهِمَا ظَاهِرًا دُونَ الْبَاطِنِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ ضَعِيفًا بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ، فَهَلْ لِلرَّضِيعِ أَنْ يَنْتَسِبَ بِنَفْسِهِ؟ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي «الْأُمِّ» أَحَدُهُمَا: لَا كَمَا لَا يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ، وَأَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ كَمَا لِلْمَوْلُودِ. وَالرَّضَاعُ يُؤَثِّرُ فِي الْأَخْلَاقِ بِخِلَافِ الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ، فَإِنَّ مُعْظَمَ اعْتِمَادِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْأَخْلَاقِ مَعَ أَنَّ ابْنَ كَجٍّ نَقَلَ عَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَجْهَيْنِ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ وَهُوَ غَرِيبٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ الِانْتِسَابُ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ الْمَوْلُودُ؟ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ لَهُ وَعَلَيْهِ، كَالْمِيرَاثِ وَالْعِتْقِ وَالشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الْإِشْكَالِ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالرَّضَاعِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْهُ سَهْلٌ. وَإِذَا انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا، كَانَ ابْنَهُ، وَانْقَطَعَ عَنِ الْآخَرِ، فَلَهُ نِكَاحُ بِنْتِهِ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَسِبْ، أَوْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ الِانْتِسَابُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَيْهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا أُخْتُهُ، وَفِي «الْحَاوِي» وَجْهٌ؛ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْكَمُ بِانْقِطَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute